خلال الفترة مابين 15 و17 يناير الجاري تلتئم «القمة العالمية الأولى للمياه»، التي تحتضنها العاصمة أبوظبي، في مبادرة جديدة وذات قيمة كبيرة من طرف دولة الإمارات، تسعى من خلالها إلى لعب دور مهم في مواجهة واحدة من أهم الأزمات العالمية المزمنة، ألا وهي أزمة المياه، المتمثلة في طلب عالمي متنام باطراد على مورد حيوي يعاني الندرة النسبية، بما يخلق وضعاً مائياً عالمياً غير متوازن وغير آمن. ففي الوقت الذي يستهلك فيه العالم ما مقدراه 2.66 تريليون لتر من المياه يومياً، فإن النمو السريع في عدد السكان والتحسن المستمر في مستويات المعيشة وزيادة الطلب على المياه لأغراض التصنيع، من شأنها أن تقفز بالاستهلاك العالمي من المياه إلى أعلى من عام إلى آخر. بجانب ذلك، فإن مورد المياه هو من أكثر الموارد الطبيعية تعرضاً للإسراف وسوء الاستخدام، حيث تشير التقديرات إلى أن كفاءة استخدام المياه حول العالم لا تتعدى 20 إلى 40 في المئة، وهو ما يرفع الاستهلاك بشكل مبالغ فيه. وبالإضافة إلى ذلك، فمورد المياه يتعرض إلى الكثير من مظاهر التلوث التي لا تقلص فقط من حجم المياه القابلة للاستعمال الآدمي، ولكنها تتسبب في تعريض مستهلكي المياه الملوثة إلى كثير من الأمراض والأوبئة. ومن مظاهر ذلك التلوث أن نحو 70 في المئة من مخلفات المصانع حول العالم تصل بطريقة أو بأخرى إلى المياه العذبة، ونحو مليوني طن من مياه الصرف تتسرب يومياً لتصل إلى مخزونات المياه الجوفية. ونتيجة لهذه المظاهر السلبية، سواء المتعلقة بنمو الطلب أو مظاهر الإسراف أو التلوث الذي تتعرض له المياه، فإن النسبة المتبقية من المياه العذبة لا تكفي سكان العالم، حيث هناك واحد من كل ستة أشخاص حول العالم لا يمكنه الوصول إلى مصادر المياه العذبة، وهي نسبة مرشحة للزيادة في المستقبل في حال استمر الوضع على ما هو عليه. من هذا المنطلق تأتي مبادرة دولة الإمارات، باستضافة «القمة العالمية الأولى للمياه»، التي تُضفي عليها معطيات الوضع المائي العالمي الحالي غير الآمن أهمية خاصة، وهي نفسها المعطيات التي تُبرز أهمية الدور الذي تسعى الإمارات للعبه في هذا الشأن، حيث تسعى القمة إلى وضع حلول مبتكرة لمواجهة التحديات المائية العالمية الحالية، والاحتياط ضد تفاقمها في المستقبل سعياً إلى تحسين الواقع المائي العالمي، وتجنُّب اتجاهه إلى مزيد من التأزم في المستقبل، عبر البحث في سبل تنويع مصادر المياه، وتطوير التكنولوجيات اللازمة لذلك، وتحسين إدارة واستخدام هذا المورد الحيوي، والبحث في سبل إيصاله إلى جميع سكان العالم، بمن فيهم المحرومون. إنه الإقبال الشديد على المشاركة في القمة، المقدَّر أن يحضرها نحو خمسة آلاف مشارك، بين عالم ومتخصص وصانع قرار وباحث وأكاديمي، وهو مؤشر ليس فقط على أهمية القضية التي تتعرض لها القمة، لكنه أيضاً دليل على رمزية موقع دولة الإمارات على خريطة الفعاليات والمؤتمرات العالمية الكبرى، وثقة في قدرتها على استضافة هذه الفعاليات وتوفير سبل النجاح اللازمة لها. وتبقى الإشارة إلى أن مجيء القمة في إطار «أسبوع الاستدامة» الذي تستضيفه العاصمة أبوظبي، هو أيضاً دليل على الاهتمام الإماراتي بقضية الاستدامة بجميع جوانبها، واهتمامها الكبير بمختلف الموارد الحيوية، وليس فقط بالطاقة ومصادرها. ــــ ـ ــ ـ ـ ـ ـ ـ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.