وسط ما تمخضت عنه ثورات بعض الدول العربية من لغط وحيرة وعدم وضوح ما هو حاصل، وعدم تيقن مما هو آت من تداعيات، يوجد احتمال بظهور نزعة من حنين لدى الشعوب العربية بالعودة إلى الماضي القريب، خاصة على ضوء سيطرة «الإخوان المسلمين» على السلطة. ولا شك بأن مصالح الإمارات العربية المتحدة الوطنية قد تعاني من هذه التقلبات، ما قد يضطرها إلى الصراع السياسي والدبلوماسي للمحافظة على تلك المصالح بطريقة أكثر وضوحاً سواء كان ذلك في داخل صعدها الوطنية كما اتضح من اكتشاف خلايا «إخوانية» تسعى إلى قلب نظام الحكم أو إرهابية تسعى إلى زرع عدم الاستقرار والفوضى عن طريق تنفيذ عمليات إرهابية تسيء إلى أمن الوطن، أو من خلال مساس دول بعينها باستثمارات ومصالح الإمارات لديها أو التدخل في شؤونها الداخلية. عندما خرجت الجماهير الغاضبة إلى شوارع مدن تونس ومصر وليبيا واليمن، كانت تنادي بالحرية والديمقراطية، أو أن ذلك هو الهدف الذي خرجت من أجله في بادئ الأمر، لكن ليس من المحتمل أن يتحقق ذلك بنجاح كامل وتقام ديمقراطيات على النمط الغربي في زمن قصير كما يتصور البعض. والدول التي منيت بالثورات، ربما باستثناء ليبيا، تعاني من مشاكل اقتصادية مستفحلة وشح في الموارد، وعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها متعثرة، والتنمية السياسية غائبة. لذلك فإن عملية تحقق الديمقراطية ستتأخر لمدد لا يمكن التكهن بها، هذا إن تحققت أصلاً، مما سيجعل الإمارات تتعامل مع نظم غير مستقرة تعمها الفوضى. ومن النتائج الكارثية لتلك الثورات أن بعض من وصلوا إلى السلطة يعتقدون بأن من السهولة عليهم تصدير فكرهم إلى الآخرين، وقلب نظام الحكم في الدول الأخرى من خلال أعضاء الجماعة الذين يعيشون فيها، وهذا قصر نظر يثير الدهشة والعجب ويجعل المرء محتاراً في فهم ما يحدث. وما يزيد الطين بلة، أن التعامل مع الدول صار يتم من خلال الجماعة وليس الدولة. وهذا دليل قصور في ممارسة السلطة السياسية، فالإخوان المسلمون لم يتولوا السلطة الفعلية، وهم كحركة سياسية بقيت تمارس المعارضة طوال فترة تواجدها في الحياة السياسية العربية، وشتان بين تولي السلطة الفعلية وبين الجلوس على هامش الحياة السياسية ورفع شعارات المعارضة. ويبدو بأنهم ليسوا مدركين بعد بأنهم يحكمون الآن في دول وطنية تتعامل في المجتمع الدولي مع دول وطنية أخرى عليهم احترامها والتعامل معها على أساس أنها ند لهم، ولن يفيدهم في شيء العداء الشديد الذي يكنونه لها على أساس أيديولوجي. ويتضح من الثورات بأنها لم تكن أمراً وليد الساعة، أو أنها اندلعت فجأة ودون مقدمات، رغم أنه لم يتمكن الباحثون والمراقبون أن يتنبأوا بأي منها أو يرصدوا أي مؤشرات بقرب موعد وقوعها بتلك الصورة المفاجئة والمتلاحقة. وبيت القصيد أن ما حدث هو نتاج لتراكمات وإرهاصات داخلية في كل دولة استمرت طويلاً، وهي تتفاعل في الأوساط الشعبية إلى أن تفجرت في شكل ثورات عارمة. لذلك فإن الإمارات صبورة وذات نفس طويل في التعامل مع تداعيات ونتائج ما يحدث، وهي لا تحكم على الأمور الحاصلة من ظواهرها، ولكن بالتمعن في خواتيمها عن طريق آراء ووجهات نظر متخصصيها وعلمائها في الشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وقراءة كل حالة وجانب ودولة على حدة.