عندما كانت «جريتا لوري» في الجامعة، كانت تعتقد أنها إذا احترمت القواعد والقوانين، فإنها تستطيع تحقيق ما كانت تعتبره حياة عادية: عائلة ووظيفة تحقق بهما ذاتها باستعمال شهادتها الجامعية في اللغات الأجنبية. وبعد ذلك، تزوجت وخاضت مسلسل بحث محبط عن العمل. وفي الأخير حصلت على وظيفة مؤقتة، ولكنها عندما أنجبت طفلها الأول لم يُجدد عقدها. ولاحقاً عملت كمعلمة للإيطالية كلغة ثانية، ولكن الركود سرعان ما ضرب البلاد، فقُلصت ساعات عملها. وعندما أنجبت طفلها الثاني، لم يتم تجديد عقدها. وتُركت مرة أخرى من دون مزايا إجازة الأمومة. واليوم «لوري» في بداية الثلاثينيات، ومن دون عمل. قصة «لوري» قصة مألوفة بين النساء العاملات في إيطاليا. فرغم أن تأثيرات الأزمة الاقتصادية في أوروبا طالت كل الإيطاليين، فإن الركود كرس المشاكل البنيوية التي تعاني منها العاملات الإيطاليات بشكل خاص، حسب«إيستات»، مكتب الإحصائيات الإيطالي. ونتيجة لذلك، توقفت الاتجاهات الأخيرة التي تضيق الهوة التقليدية بين عمل الإناث وعمل الذكور، وباتت النساء مضطرات على نحو متزايد لقبول وظائف مؤقتة ويشعرن بأعباء ثقافية أكبر في المنزل، الذي يُعتبرن فيه المصدر الرئيسي للرعاية في غياب سياسات حكومية فعالة لدعم الأسرة. «باولا بروفيتا»، أستاذة العلوم الاقتصادية بجامعة «بوكوني» في ميلانو، تقول إنه رغم أنه كان منخفضاً باستمرار، فإن معدل عمل النساء كان في ارتفاع تدريجي خلال العقود الأخيرة. ولكن بسبب الركود توقف ذلك الاتجاه. وتقول «بروفيتا» في هذا الصدد: «في إيطاليا، كان للأزمة تأثير أكبر على النساء مقارنة مع الرجال»، مضيفة «إن النساء عانين أكثر». اليوم، يعتبر معدل عمل النساء في إيطاليا، الذي يبلغ 46 في المئة في الوقت الراهن، من بين الأكثر انخفاضاً في الاتحاد الأوروبي – كما أنه أكثر انخفاضاً- في جنوب البلاد منه في شمالها، حيث يبلغ المعدل 30 في المئة فقط. وعلاوة على ذلك، فإن فرص النساء في أن يوظفن تقل أكثر كلما ازداد عدد الأبناء. ويتضح التفاوت بشكل خاص في القطاع الصناعي للبلاد، حيث خسرت النساء وظائفهن، بين 2008و2009، بمعدل يعادل ضعف معدل العمال الرجال، حسب«إيستات». «فولفيا دي برازي» كانت واحدة من أولئك النساء اللاتي تأثرن بالأزمة. ففي عام 2009 عانت شركة الآلات التي عملت فيها على مدى 20 عاماً من الأزمة. واليوم تعيش على 900 إلى 950 يورو في الشهر، حسب عدد الساعات التي تستطيع اشتغالها. وتدفع إيجاراً شهرياً قدره 500 يورو. ولكن دي برازي تتمكن من تدبر أحوالها بفضل عمل إضافي كعاملة تنظيف لدى أقاربها أحياناً، وتقول: «ما كنت أعتقد يوماً أنني قد أنحدر إلى هذا المستوى من الناحية السوسيواقتصادية». وحسب«إستات»، فإن الركود كان له أيضاً تأثير سلبي على جودة الوظائف التي تشغلها النساء، حيث أدى إلى زيادة الوظائف، التي تتطلب مهارات منخفضة والوظائف ذات دوام جزئي. ولأن النساء ممثلات تمثيلا ناقصاً في الوظائف المؤقتة، التي كانت الأولى التي تأثرت خلال الركود، فإنهن عانين أكثر من الرجال، كما تقول «كلوديا أوليفيتي»، أستاذة العلوم الاقتصادية بجامعة بوسطن. وتقول الأستاذة «أوليفيتي»:«إن احتمالات حصول امرأة في الثلاثين من عمرها ولديها شهادة جامعية على عقد مؤقت، هي أكبر مقارنة مع رجل لديه الخصائص نفسها». «جوليا باربيري» لديها شهادة جامعية في تاريخ الفن، وبعد عدد من الدورات التدريبية وتعاون مع مؤسسة تنظيم الفعاليات الثقافية، حصلت على عقد مؤقت كعاملة هاتف في مركز لترتيب المواعيد بنظام الرعاية الصحية في مدينة بولونيا. ورغم أنها كانت محبطة أحياناً وغير مرتبطة بدراساتها واهتماماتها، فإنها كانت الوظيفة العادية الأولى – مع مزايا الضمان الاجتماعي وقسائم الوجبات– التي حصلت عليها في حياتها. ولكن بعد أكثر من عام بقليل وجدت نفسها مضطرة للبحث عن وظيفة مرة أخرى بسبب عدم تجديد عقدها. وفي الوقت الراهن، تعيش «باربيري» بفضل مدخراتها بينما تستفيد من دورة تعليمية في الأفلام الرقمية، حيث تأمل أن يساعدها ذلك على الحصول على وظيفة. «بروفيتا» تقول إن التحديات التي تواجه الأمهات العاملات الإيطاليات خلال الركود تصبح عادة أكثر صعوبة، ولاسيما الحاجة إلى التوفيق بين العمل ومسؤولياتهن كمصدر الرعاية الأسرية الرئيسي في غياب سياسات عائلية فعالية. ذلك أن الأزمة استنزفت موارد العائلات، حيث أرغمت النساء على الاستمرار في القيام بما يقمن به، ولكن مع قدر أقل من الإمكانيات ومزيد من حالة عدم اليقين، كما تقول. وإضافة إلى ذلك، فإن المشغِّلين – وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة – كثيراً ما ينظرون إلى النساء بارتياب، لأنهم يبالغون في تقدير كلفة إجازة الأمومة. وتقول بروفيتا: «إنه عنصر ثقافي ». عندما تزوجت لوري بعد تخرجها من الجامعة، كانت تتوق إلى الاستقلال الاقتصادي. ولكن المشغِّلين المحتملين كانوا يسألونها إن كانت متزوجة وكانوا عادة ما ينظرون إليها بابتسامة لا تخلو من ازدراء عندما يعلمون أنها كذلك، لأنهم كانوا يخشون أن يكون في نيتها إنجاب أطفال، كما تقول. «حسناً، إذا كنت لا أستطيع الاستثمار في هذا، فينبغي أن أركز على بناء أسرة»، هكذا قالت في نفسها وقتئذ، وخاصة لما شعرت أن فرصها في الحصول على وظيفة ضئيلة أصلا لأنها متزوجة. ولكنه لم يكن اختياراً سهلاً، حتى وإن كانت أسرتها تستطيع الاعتماد على الدخل الثابت لزوجها. اليوم، تعتزم «لوري» البحث عن وظيفة كمعلمة للغة أجنبية في النظام التعليمي الوطني –وظيفة مؤقتة على الأرجح، ولكنها تمتاز بضمانات أكثر من أي وظيفة أخرى شغلتها حتى الآن. غير أنها تقول إنها لا يمكنها أن تأمل في العمل في القطاع الخاص لأنه في سن الثانية والثلاثين– ومع طفلين– فإن المشغِّلين سيعتبرونها جد متقدمة في السن. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ ــ ـ جوليا لاساجني – بولونيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»