يبدو أن الاتفاق الذي عقد بين الفصائل الفلسطينية في مخيم اليرموك في دمشق، والذي قضى بوضعه تحت إشرافهم بعد إخراج المسلحين «القادمين إليه» إلى الخارج لم يعش. وكأن معركة جديدة وحاسمة تنتظره. وهي ستنتهي بالتدمير ومزيد من التهجير، الكل يتحسب للمعركة. والفلسطينيون سيدفعون الثمن، وتذكرني هذه المعركة بأهدافها بما جرى في مخيم تل الزعتر في بداية الحرب اللبنانية. إن لناحية الظروف أو القوى التي حسمت المعركة، وكان للقوة السورية دورٌ كبير في ذلك. إلى أين سيذهب الفلسطينيون؟ الأردن أعلن بلسان رئيس وزرائه أن دخولهم إلى البلد قادمين من سوريا خطُ أحمر. لن يسمح لهم بذلك! وحساسية الموضوع الفلسطيني هناك معروفة. صدرت دعوات لإعادتهم إلى غزة على الأقل حيث ثمة سهولة اليوم بعد التغييرات في مصر ودور الحكم الجديد في التهدئة إثر الحرب الإسرائيلية على غزة وفتح المعابر. وبالتالي يمكن إعادة اللاجئين إلى ديارهم الأصلية حتى لو لم يكن بعضهم من غزة نفسها! الموقف الإسرائيلي كان واضحاً منذ البداية. لا عودة للفلسطينيين من الخارج قبل الحرب في سوريا وبعدها. قبل معركة اليرموك وبعدها. وخصوصاً قبل الحرب على غزة وبعدها. وقبل التغيير في مصر وبعده. هذه مسألة مبدئية. استراتيجية لا يقبل النقاش فيها. يعني سيخرج الفلسطينيون إلى لبنان عند تجدد المعركة في اليرموك. لبنان غير قادر على الرفض. أو على إقفال الحدود أو تنظيم عملية النزوح إلى أرضه. وفي الوقت ذاته ثمة خلاف عميق في الداخل حول هذه المسألة. وعدنا نسمع لغة عنصرية ضد الفلسطينيين كفلسطينيين في سياق عمليات مزايدة سياسية رخيصة لتحريك مشاعر طائفية ومذهبية تعيدنا بالذاكرة إلى بدايات الحرب الأهلية والموقف من الوجود الفلسطيني، ويحصل ذلك ونحن على مشارف انتخابات نيابية يسعى بعضهم إلى تشريع استغلال كل شيء فيها لتحقيق مكاسب معينة. أعداد جديدة من الفلسطينيين في لبنان على وقع الحدث السوري يعني زيادة الحديث عن التوطين. وارتفاع وتيرة الخلاف الميداني داخل المخيمات وبين المخيمات ومحيطها. وبدأ كثيرون يتحسبون لمثل هذه الاحتمالات، التي ستضع الجميع أمام الأمر الواقع. وفي النتيجة سيدفع الفلسطينيون الثمن. نزوح من فلسطين إلى دول عربية ثم منها إلى دول عربية أخرى أو خارجية، وفي النهاية إلى مجهول لأنه ممنوع الحديث عن العودة إلى الأرض الأم. وهي أرض مغتصبة وتتعرض يومياً إلى مزيد من الاغتصاب والاحتلال وبناء المستعمرات عليها لأن الدولة هناك دولة يهودية كما يؤكد المحتلون ولا شيء اسمه حق عودة بالنسبة إلى الفلسطينيين. ويوازي ذلك تهجير سوري إلى خارج سوريا. نازحون بالآلاف، ومخيمات ومقرات ومجمعات وانتشار في أكثر من بلد في الجوار وخصوصاً في لبنان. ومع استمرار الحرب الدموية المرعبة في سوريا سوف تزداد الأعداد. وبالتالي سنكون أمام قضية نازحين جدد، قد يقول البعض: لكن الوضع مختلف. بمعنى أنه عند استتباب الأمن في سوريا سوف يعودون. ولا أحد يمنعهم من ذلك مثل ما تفعل إسرائيل مع الفلسطينيين! هذا صحيح. لكن الواقع سيمنع كثيرين، وإلى أن تستقر الأوضاع سنكون أمام كارثة. وأمام قضية جديدة. هي قضية سوريا. ولملمة وحدتها ومجتمعها ومؤسساتها وإعادة بنائها وإعمارها. وقضية النازحين السوريين. وحتى لو استتب الأمر في سوريا فهذا لا يعني أن الاستقرار عمّ المنطقة. لا. سوف نكون أمام ساحة جديدة مشتعلة. لأن آثار ما يجري في سوريا والتعبئة المذهبية والطائفية التي تعيشها المنطقة، وعمليات البث التحريضي في هذا الاتجاه لكل أشكال السموم تعيدنا قروناً إلى الوراء مع كل ما تحمله من أحقاد. كذلك فإن اللعبة الدولية الإقليمية والصراع على النفوذ والثروة ستؤدي إلى مزيد من المشاكل في غياب رؤية عربية وموقف عربي ينطلق من قراءة هادئة لهذه التطورات وتبنى على أساسها سياسات حماية الأمن والاستقرار في دولنا. سنكون أمام مسلسل من التوترات والمشاكل المتنقلة لتعمّ النار المنطقة كلها، وهذا ما تريده إسرائيل وتكون القضية الفلسطينية قضيتها وحدها بالمعنى السلبي، أي المسألة المركزية في كل سياستها لتكريس واقع الدولة اليهودية ولا تعود قضية العرب الأولى، بل يصبح لكل واحد منهم قضيته الأولى والمركزية. عندما أصدرت كتابي الأخير بعنوان «عرب بلا قضية»، كان هذا جوهر مضمونه. فكثيرون قالوا لي «قضية بلا عرب». فقلت: العنوانان يؤديان إلى المضمون ذاته. إلى الفكرة ذاتها. اليوم أكثر من أي وقت مضى ينبغي التوقف عند هذه المسألة. يجب تكريس التلازم بين قضية التغيير الديمقراطي في العالم العربي في اتجاه المزيد من الحرية والديمقراطية والتنوّع. وقضية التحرير في فلسطين. هما أمران مكملان لبعضهما. واليوم أكثر من أي وقت مضى مطلوب من الفلسطينيين التوحّد والتفاهم. وينبغي أن تثمر الجهود التي تبذل في القاهرة، وأن تعطى فرصة المصالحة وإنتاج السلطة المركزية الواحدة والرئاسة الواحدة والحكومة الواحدة والمؤسسات الواحدة كل إمكانات النجاح إذ لا خيار أمام الفلسطينيين في ظل الواقع المستجد والمتغيرات التي حصلت إلا هذا الطريق. صحيح أن التغيير حصل في مصر، وهو يرعى الشأن الفلسطيني. لكن الواقع المصري مكبّل بكثير من التعقيدات والصعوبات ومحاصر من الداخل والخارج. فلا يكفي الاستناد إلى ذلك دون القيام بعمل استثنائي على المستوى الفلسطيني، ودون إدراك عربي أن القضية الأساس تبقى القضية الفلسطينية ، فلا نكون أمام قضية نزوح، لنصل إلى نزوح القضية. غازي العريضي وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني غازي العريضي