الاتحاد الأوروبي خيار بريطانيا الأفضل... ومسرحية رديئة للنظام السوري الجدل المستمر في بريطانيا حول جدوى البقاء في الاتحاد الأوروبي، والتغييرات الجديدة في فريق أوباما، وخطاب بشار الأسد الأخير... موضوعات استقطبت اهتمام الصحف البريطانية الصادرة هذا الأسبوع. الخيار الأفضل في افتتاحيتها ليوم الأحد الماضي، وتحت عنوان: «يجب على بريطانيا أن تبقى في موضع القلب من أوروبا»، رأت «الجارديان» أنه على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي فكرة قد تبدو جميلة على الورق، فإنه لم يصل بعد إلى تلك الدرجة من الاكتمال التي كانت متخيلة في البداية. ففكرة توحد عدة دول أوروبية في منظومة واحدة، من أجل صياغة مصير مشترك، فكرة ملهمة في الحقيقة، وتمثل نموذجاً للكيفية التي تتمكن بها عدة دول تتشارك في نفس القارة، وفي العديد من القيم المشتركة، من تحقيق الثراء لنفسها ولشعوبها في آن. على رغم ذلك نجد أن بريطانيا، وكما يعلن بثقة عدد كبير من المتشككين الذين يهيمنون على ساحة النقاش العام فيها، لا تريد أن تكون جزءاً من هذا المشروع؛ وهو رأي يشاركهم فيه، كما تدل شواهد عديدة أغلبية الرأي العام الذي ساعدوا هم- المتشككون- على تشكيله. ففي رأي هؤلاء أن الاتحاد الأوروبي يمثل محاولة لصب التنوع الأوروبي في قالب بيروقراطي مصنوع في بروكسل، مما يجعل من الديمقراطية والاقتصاد الرشيد مجرد ملهاة. وسواء كان الأمر يتعلق بالعملة الموحدة، أو حقوق الإنسان، أو الحد الأدنى من الاستشارات في مجال العمل، فإن أوروبا الموحدة، أو المشروع الأوروبي، يعتبر – في نظرهم بالطبع-مناوئاً للحرية، ومناوئاً للمشاريع الحرة، ومناوئاً للبريطانيين(بشكل خاص). وهناك في الوقت الراهن قطاع متزايد باستمرار يضم نواباً «محافظين»، كما يضم «حزب بريطانيا المستقلة» الجديد المتمرد، ووسائل الإعلام المنتمية لتيار «يمين الوسط»، يعتقد أن الشرط المسبق لخروج الاقتصاد والمجتمع البريطاني من الأزمة التي يعانيان منها في الوقت الراهن، هو مغادرة الاتحاد الأوروبي بعد إجراء استفتاء على البقاء فيه، أو الخروج منه، وهو استفتاء تعتقد مكونات ذلك القطاع جازمة أنها ستفوز به بسهولة. تقول الصحيفة إنه سيكون أمراً جيداً حقاً، لو اعترف «ديفيد كاميرون» أن عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ستوفر لها بعض المزايا والفضائل. ونظراً لأنه سياسي قادر على اتخاذ مواقف شجاعة فإن ذلك سيكون خياراً أفضل من باقي الخيارات- في نظرها-خصوصاً وأن أزمة «اليورو» قد خلقت نوعاً من الحوار الأوروبي- الأوروبي الشامل. فأفضل خيار في رأي الصحيفة بالنسبة لبريطانيا في الوقت الراهن هو أن تبقى عضواً في الاتحاد، بل في القلب منه، لأن الاتحاد ليس سبباً في تدهور الاقتصاد، وليس مناوئاً للديمقراطية على النحو الذي يجري تصويره به، كما أنه يتعلم من أخطائه باستمرار، وينظم نفسه على نحو يجعل منه قادراً على تلافي العديد من أسباب الانتقادات التي توجه إليه بشكل مستمر. الاتحاد الأوروبي فكرة جميلة- حتى وإن لم يكن كاملاً- وأن مصالح بريطانيا ومصيرها، ومستقبلها مرتبط به على نحو لا فكاك منه، وعلى كاميرون أن يخاطب الأمة بأسرها وليس حزبه فقط، ويقول لها ذلك بكل وضوح. تشكيلة مختلفة رأت «الإندبندنت» في افتتاحيتها يوم الجمعة الماضي، المعنونة بـ «الفريق الجديد لرئيس الولايات المتحدة هو الذي سيصوغ إرثه»، أنه مع أداء الكونجرس للقسم هذا الأسبوع، وإعادة انتخاب رئيس مجلس النواب «جون بوهنر» لفترة ثانية، يكون شكل الكونجرس الأميركي ومعالمه قد تحدد بشكل كبير، بحيث يمكن لأوباما معرفة مقاس وتركيبة «ماكينة صنع القانون»، التي سيضطر للتعامل معها خلال العامين المقبلين قبل إجراء انتخابات التجديد النصفي. والخبر الجيد بالنسبة لأوباما وبالنسبة لأميركا كما تقول الصحيفة إن الكونجرس قد بات أكثر تنوعاً من حيث اشتماله على المزيد من الشخصيات النسائية والشخصيات الممثلة للأقليات العرقية مقارنة بما كان عليه الوضع في السابق. وترى أن هناك عاملاً إيجابياً آخر، وهو أن الكونجرس قد خلا أو كاد من المعتوهين المتمثلين في أعضاء «حركة الشاي» الأكثر تطرفاً؛ بيد أن أوباما الذي عانى أشد المعاناة من الكونجرس السابق، يدرك جيداً أنه لم يحن الوقت بعد كي يبتهج فـ«الديمقراطيون» لم يحققوا سوى زيادة هامشية في مجلس النواب، حيث لا يزال «الجمهوريون» يحافظون على الغالبية. ومع إعادة انتخاب «بوهنر» فإن على أوباما أن يتوقع أن الخلاف حول الموضوعات المتعلقة بالميزانية مرجح له أن يتواصل، ويمكن أن يكون منهكاً ومؤثراً على نتيجة الانتخابات القادمة بعد عامين(التجديد النصفي). وترى الصحيفة في نهاية الافتتاحية أنه على الرغم من أن التغييرات التي حدثت في الكونجرس يمكن أن تجعل فترة رئاسة أوباما الثانية أسهل من الأولى، فإن التغييرات الأكبر والأكثر أهمية ستكون في إدارته هو. ومن المعروف أن الرئيس قد أجرى تغييراً في منصب وزير الخارجية حيث اختار جون كيري بديلا عن كلينتون وفي وزارة الدفاع حيث اختار تشك هاجل(الجمهوري) بديلا عن بانيتا، ويتوقع له كذلك أن يختار بديلا لوزير الخزانة «تيم جينثر» الذي أعلن مؤخراً عن نيته مغادرة الحكومة وتشير بعض الأنباء أن ذلك سيكون بنهاية شهر يناير الحالي، وليس معروفاً حتى الآن المسؤول الذي يضع أوباما عينه عليه كي يخلفه في منصبه المهم الذي يعد من أهم المناصب في الإدارة الأميركية. ليس ممكناً الآن معرفة أي هذه التغييرات هو الأكثر أهمية، بيد أن الشيء المؤكد أنها تمثل تحدياً لأوباما فباعتباره رئيساً لولاية ثانية، فإن مجال المناورة والتصرف أمامه سوف يكون أكبر حتى مع وجود كونجرس معاند. وعليه أن يعرف أنه لن يتمكن من الاستفادة من الحرية المتاحة له، إلا إذا ملأ الثغرات في تركيبة فريقه من خلال اختياره لأشخاص يكونون مناسبين للمهمة. شبح الأوبرا «هذه التراجيديا يجب أن تنتهي»، هكذا عنونت «ديلي تلجراف» افتتاحيتها يوم الاثنين الماضي، التي علقت فيها على الخطاب الذي ألقاه بشار، والذي كان أول خطاب مباشر يوجه للأمة السورية منذ الثالث من يونيو الماضي. تصف الصحيفة الخطاب بأنه كان درامياً بامتياز حيث اختار الأسد أن يلقيه في دار الأوبرا على خلفية علم كبير تظهر به صور أعداد كبيرة من الذين لقوا حتفهم في الصراع الدائر في ذلك البلد منذ ما يقرب من عامين، كما أن من اخرجوا مسرحية الخطاب فكروا أنه قد يكون من المناسب أن يندفع عدد كبير من الحاضرين من بين الصفوف لتحية الأسد ومصافحته وتقبيله عقب انتهائه من خطابه كما لو كان نجم أوبرا شهيراً. تنتقل الصحيفة بعد ذلك إلى مضمون الخطاب فتقول إنه كان تقليدياً ولم يتضمن جديداً قدم فيه مقترحاً بحل سياسي للأزمة لا يختلف كثيراً عما قدمه من قبل، وكأن شيئاً لم يحدث، أو كأنه مغيب عن الواقع في بلده، وهو حل كان من الطبيعي أن ترفضه المعارضة على الفور خصوصاً وأن الرئيس لم ينس وهو يعرض اقتراحه بالحل على تلك المعارضة، أن يصفها بأنها «عصابة من المجرمين». هذا الخطاب يثبت في نظر الصحيفة عقم وعبثية الجهود الدبلوماسية التي يبذلها المبعوث الأممي والعربي، كما يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن بقاء الأسد في سوريا يجعل أي حوار وأي حل أمراً مستحيلا. ولا شك أن تشبثه اليائس بالسلطة يثبت أنه مثل نظيره البعثي الآخر في العراق صدام لن يترك الحكم إلا بالقوة. ورأت الصحيفة أنه على ضوء أن النظام قد فقد سيطرته على أجزاء كبيرة من البلاد وفشل في إجبار مقاومي المعارضة على الانسحاب من المناطق التي احتلوها في أهم مدينتين في البلاد وهما دمشق وحلب، وتدهور الاقتصاد الذي يعاني من العقوبات ومن الآثار المدمرة للحرب، والذي يتمكن فقط من البقاء بفضل المساعدات التي تقدمها له إيران والعراق وأنصار الأسد في لبنان. ترى كذلك أن تكوين« الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» يمنح القوى الخارجية فرصة لتوصيل الإمدادات من المواد غير القاتلة والقاتلة لمعارضي الأسد كي يستخدموها من أجل استنزاف قواته، وأن ذلك في مجموعه يعني أن عام 2013 يمكن أن يشهد نهاية الأسد ويضع نهاية للدراما الحقيقية في سوريا، وليس للدراما التي أخرجها هو على النحو الردئ الذي شاهده العالم في دار الأوبرا في دمشق. إعداد: سعيد كامل