يوم الأحد الماضي خطب الأسد من جديد في أتباعه وحاول أن يختصر المعارضة بعصابة إرهابية، وتقدم بـ«مشروع» لحل الأزمة، وفسر الماء بالماء فهتف له الأتباع طويلاً بطول العمر! أنا شخصياً أعتبر أن كل حل يتقدم به الأسد لا يزيد إلا بعداً عن الحل، والسبب هو تكسر جسور الثقة بينه وخصومه، كما أن الدماء التي سالت جعلت أي حل ليس بحل. حاولت أن أرى المسألة من وجهة نظر نفسية، لمعرفة كيف يفكر الأسد، انطلاقاً من دراسة وقعت بين يدي بعنوان «سيكولوجية السيطرة والانصياع». وأتذكر قصة معتقل سياسي يساري لبث في السجن بسوريا 12 عاماً بسبب تورطه في تنظيم سري، وكان أفضل حظاً من آخرين، حيث قضى مدته في زنزانة جماعية، وهناك من بقي في الإفرادية مدة أطول. قال لي في إحدى الليالي: أراد أن يعاقبنا السجَّان لسبب فلم يعثر عليه، لكنه رأى أحدنا يصلي، فلما طلب منه المثول لم يشأ أن يقطع صلاته، فكلفه هذا أن يسحبه السجَّان ويرمي به الليالي ذوات العدد في انفرادية مظلمة. كان من يحكم وينفذ هذا نفس الجلاد وبرتبة صغيرة، لكن له صلاحية أن يتصرف في مصائر الأفراد كيفما يشاء بالتعذيب والإذلال. إن هذه القصة تحكي «علاقات القوة» بين الناس حين تتبدى على صورتها العارية في السجن. وكما قال «أتيين دي لابواسييه» في كتابه «العبودية المختارة» (عام 1562): «يجب أن لا نراهن على الطيبة الموجودة في الإنسان طالما يمكنه أن يؤذي ومعه مفاتيح القوة». وفي ألمانيا عُرض فيلم «التجربة» عام 2001 عن العلاقة بين السجان والمسجون، فذعر الناس من رؤية الوحش المختبئ داخل كل منا ينتظر لحظة الانقضاض. كان الفيلم تكراراً لتجربة «ستانفورد» التي طبقت عام 1971 في كاليفورنيا، والتي كانت الأولى والأخيرة في هذا النوع من تجارب علم النفس بسبب الضجة الهائلة التي أطلقتها في الوسط الأميركي. وحول سؤال القوة، يجيب فيليب زيمباردو، عالم النفس الاجتماعي الأميركي: «إنها متعة الإلهة أفروديت». ويقول الإمام الغزالي «إنها أعظم اللذات قاطبة ولا تقترب منها اللذة الجنسية بحال ولا تقارن». إنها ممارسة الألوهية بدون اسمها، وهي آخر ما يخرج من قلوب الصالحين. ويروى عن لينين قوله: «إن موت ثلاثة أرباع الشعب الروسي ليس بشيء إنما المهم أن يصبح الربع الباقي منهم شيوعيين»، ولينين كان كاتباً محترفاً ألَّف أكثر من 55 كتاباً ولم يمارس القتل قط، لكنه مع التربع على عرش السلطة أرسل إلى الموت ملايين الناس! أما ستالين فكان يعتبر موت الملايين مسألة إحصائية! وضمن الملف السري للينين الذي كشف عنه النقاب أخيراً وسمح للباحثين بالاطلاع عليه في سرداب تحت الأرض، تمت قراءة خطابات لينين الأصلية، واتضح كيف كانت حياة الناس تنهى بكلمات وجمل قصيرة، وأن تلهفه لتحقيق أفكاره قام على خرافة عجيبة، حيث حاول حرق المراحل لوقوعه تحت تأثير نبوءة من سيبريا، وقول لطبيب في سويسرا بأن دماغه معتل ولن يعمر طويلاً. وفعلاً مات لينين عن عمر صغير وأقام نسخة شيوعية مزورة ممهورة بالقتل والإرهاب، بما فيها حرق شعب بأكمله، وإرساله في طوابير لا تنتهي إلى الموت.