بطبيعتنا الثقافية نميل للأحكام السريعة، ولا نحاول تحليل الحدث والغوص في فهم أسبابه وتداعياته. اليوم تتعدد الرؤى في فهمنا لطبيعة التغير المتجسد ضمن ما يسمى «الربيع العربي»، ومعظم ما صدر اتسم بالسرعة في التحليل، مما يعكس طبيعة الشخصية العربية التي تأثرت ظروف نشأتها بمتغيرات تاريخية طبعتها عوامل الإحباط والفشل. فلو أخذنا على سبيل المثال بعض الأحداث الرئيسية التي مرت بها الأمة العربية، ومنها الانقسام العربي حول غزو صدّام للكويت، نجد بعض التفسير لما نتحدث عنه. فحالة الاستبداد لم تدفع البعض للوقوف في وجه المستبد، بل إلى مساندته، وذلك من باب التشفي الغائر في النفس أو تعبيراً عن مواجهة الواقع! فالوقوف مع صدّام أظهر موقفاً معادياً للولايات المتحدة، وهو موقف يعتبره البعض إيجابياً لأن أميركا هي من تقف ضد حياته. وفي حالة حرب عام 1967، نجد تكراراً للموقف، حيث كانت هناك خيبة كبيرة أصابت العرب وسمي العام بعام النكسة، وبدلاً من المحاسبة لمن تسبب فيها خرجت الجماهير ضد استقالة عبدالناصر الذي اعتبر نفسه في موقع المسؤولية عما حدث. فهذا السلوك العاطفي منع الناس من التفكير في سبب النكسة، بينما نجد أن الأمم التي تمر بحالة مشابهة تحاول فهم سبب الحدث لكي تنأى بنفسها عن تكراره. إذن هناك انفعالية كبيرة في مواقفنا من ناحية، ومن ناحية أخرى تغلب علينا السرعة المفرطة في الوصول إلى الهدف دون التفكير في الأدوات والوسائل، وهذا غالباً ما يسبب الإخفاق. كما أن لدينا تعلقاً مفرطاً بالماضي وتقوقعاً على الذات، وهي حالة نرجسية تعبر عن غياب التواصل مع الواقع. فالحضارة الإسلامية كانت لها أسبابها الواقعية، وكان هناك انفتاح وتواصل ورغبة كبيرة في العمل والمثابرة، بينما نجد الآن انفصالاً عن الواقع تصاحبه العودة إلى الماضي دون إدراك بأن الماضي كان مرحلة وقد انتهت، وليس أمامنا سوى معرفة كيف جاءت الحضارة الإسلامية؟ وما هي أسبابها؟ وكيف نعيد لها بريقها؟ هذه كلها تساؤلات مشروعة تدفعنا للتفكير في كيفية صنع قرار الحياة، وتحديد ما نريد تحقيقه لمجتمعاتنا. لو أخذنا حالة مصر على سبيل المثال، فإن وصول «الإخوان المسلمين» رفع حماس البعض إلى درجة التهور، مما أظهر حالة نفسية مضطربة وكشف عن تداخل في الفهم حول وصول الإسلام السياسي إلى السلطة، خاصة لدى من يعتقدون أن كل المشاكل تنتهي بحكم الإسلاميين، بينما حقيقة الأمر أن مصر لديها مشاكل كبيرة لا يمكن حلها بين يوم وليلة، وأن من يصل إلى السلطة عليه أن يدرك طبيعة التراكمات التاريخية، المحلية والإقليمية والعالمية، وأنه لا مفر من إيجاد أرضية واسعة من العقل في رسم سياسة المستقبل. أما أن نقول بأن الحل في هذا أو ذاك فهو ضرب من الخيال. نحن أمام معضلة ثقافية تحتاج منا فهماً لطبيعة الشخصية، لكي نتمكن من وضع أرجلنا على بداية الطريق وليس الأحكام السريعة أو الحلول السحرية التي تؤدي في النهاية إلا إبعادنا عن مصاف العالم المتقدم.