خلال يومه الثاني في السلطة عام 2009، أطلق أوباما جهداً طموحاً يروم رعاية عملية السلام في الشرق الأوسط متجاهلاً تحذيرات تقول إن الإسرائيليين والفلسطينيين غير مستعدين للتوصل لاتفاق، لكنه فشل في هذا المسعى. ورغم تعيين السيناتور السابق جورج ميتشل كمبعوث وبعد كثير من الانخراط الرئاسي المباشر، منيت المبادرة بالفشل؛ حيث لم يبدأ الإسرائيليون والفلسطينيون مفاوضات جوهرية أبداً، وانتهت ولاية أوباما الأولى بحرب صغيرة أخرى في قطاع غزة. واليوم وبعد مرور أربع سنوات على ذلك، مازال المشهد الدبلوماسي غير مشجع، إن لم يكن أكثر. لكن إذا أصغى أوباما إلى نظرائه الأوروبيين، والزعماء العرب، وحتى وزير خارجيته المقبل، فإنه سيجعل من «عملية السلام»، مرة أخرى، واحدة من أولى أولويات ولايته الثانية. والواقع أن الحكومات الأوروبية في معظمها أدركت منذ وقت طويل أن لا إدارة أميركية ستقوم أو ستستطيع إرغام الجانبين بالقوة على قبول اتفاق. ومع ذلك، فإنها تتمسك بعقيدة أخرى، عقيدة أتصور أن وزير الخارجية القادم جون كيري يشاطرها ومؤداها أن تسوية إسرائيلية- فلسطينية هي السبيل إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط الكبير، من المغرب إلى العراق. وهي فكرة يؤيدها ويروج لها بعض الحكام العرب عبر المنطقة، سواء من القدماء أو الجدد. غير أنه إذا كان قيام دولة فلسطينية مهماً وأساسياً إلى هذه الدرجة، فيجب في تلك الحالة أن يكون في صلب السياسة الخارجية الأميركية، بغض النظر عما إن كان الوقت مواتياً أم لا. ولكن هل هو مهم وأساسي حقاً؟ الواقع أنه بينما تنقسم مصر إلى معسكرين علماني وإسلامي، وتتواصل حرب سوريا المروعة بين السُنة من جهة، والعلويين وحلفائهم الشيعة من جهة ثانية، يبدو من الواضح أن أكبر نزاعات المنطقة هي تلك التي تجمع بين العرب والعرب. فالحكومات الغربية في حيرة من أمرها ولا تعرف ما ينبغي قوله أو فعله بخصوص هذه المعارك. ولكن بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين هناك، على الأقل، صيغة معروفة: عقد مؤتمرات، والقيام برحلات مكوكية بين العواصم، والتفاوض حول الشروط والشروط المسبقة. لا نقصد بذلك القول إن على أوباما أن يتجاهل الإسرائيليين والفلسطينيين أو أن يتخلى عن قضية دولة فلسطينية، التي ستصبح على المدى الطويل لبنة أساسية في شرق أوسط حديث. ذلك أن الإهمال الأميركي قد يُفهم من قبل القوميين الإسرائيليين على أنه رخصة لاتخاذ خطوات تعرقل قيام تلك الدولة المقبلة؛ كما يمكن أن يدفع الفلسطينيين إلى تبني مزيد من الإجراءات الاستفزازية، من إطلاق مزيد من الصواريخ من غزة على المدن الإسرائيلية إلى التحريض على انتفاضة جديدة في الضفة الغربية. ولكن المطلوب هو سياسة منسقة وهادئة، سياسة تهدف إلى خلق الظروف لحل طويل الأمد، ولكنها لا تدعي أنه يمكن أن تعطي أكلها في العام المقبل أو نحو ذلك. ولهذا الغرض، يتعين على أوباما أن يشجع الحكومة الإسرائيلية الجديدة على اتخاذ خطوات من أجل تسهيل الحركة وتشجيع التنمية في الضفة الغربية؛ كما يتعين عليه أن يضغط على الإسلاميين الحاكمين في مصر حتى يمارسوا تأثيراً إيجابياً على «حماس». وفوق كل ذلك، يتعين عليه أن يستوعب درس ولايته الأولى: أن جعل سلام الشرق الأوسط أولوية رئاسية لن يحققه. --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»