ليس المواطن العربي وحده هو المهموم مع استقباله لعام 2013، محاطاً بغموض المصير القاسي، والتوقعات غير المأمونة، وإنْ كان المحللون من حوله يغرقونه بتعقيداتهم المحلية والدولية، التي لا تجعله قادراً على أي اقتراب من حقيقة هذا المستقبل الغامض. لذلك أخذت في تصور المواطن العادي في أنحاء أفريقيا، والذي لا تتاح له هذه الفضائيات والصحف التي يغرق فيها المواطن العربي، وكيف سيستقبل وحده أخبار بلاده أو من حوله كإنسان يتطلع إلى حياة أفضل، لعل الواقع المحدد من حوله يجعله يأمل في هذه الحياه المختلفة بدءاً من عام 2013! المواطن «خوسا» في جنوب أفريقيا، يعيش على الجانب الغربي من بلاده يسمع عن راحة بال زميله في «كيب تاون» الغربية والشرقية، حيث يسود توازن بين البيض والملونين وحدهم، ويدهش من أن أهله من الأغلبية الأفريقية لا يقلقهم مثله احتمال سيطرة البيض على هذه المحافظة لتعود البلاد بالديمقراطية التي يسمع عنها إلى حالة أقرب للبانتوستانات والمعازل العنصرية بطريقة حديثة مرة أخرى! ولكنه يطمئن قليلاً إلى أن «الملونين» كانوا دائماً معتدلين، وأنهم استطاعوا دائماً إحداث توازن، لم يوفر له على أيه حال حياة أفضل لكنها كانت حياة أهدأ (أو مستقرة «بالمعنى الحديث»)! وعلى الجانب الشرقي من بلاده، يسمع ضجيجاً قادماً من «ديربان» والعاصمة الثانية «جوهانسبرج» وتشواني« التي يخجلون من ترويج اسمها الوطني الجديد كعاصمة رئيسية مفضلين غالباً اسم «بريتوريا» الملعون أيام التفرقة العنصرية. ويذكر المواطن «خوسا» أن تنافسات جادة تنشأ «هناك»... آخرها بين رئيس بلاده «جاكوب زوما» مع منافسيه، سواء من التكنوقراط: «ك. موتلانتي» أو من كان نقابياً بارزاً ثم صار مليونيراً مثل «راما فوزا» أو العقلاني الطموح «ثابو مبيكي»... ويدهش «عم خوسا»، أن أياً منهم لا يذكر اسمه، مع أن الأب «لوتولي» والزعيم «مانديلا» حصلا بإسمه على جائزة كبيرة تسمى «نوبل» في الخمسينيات والتسعينيات مما جعل هذه البلاد اسماً كبيراً، لكنه لم يعد يسمع إلا أن أهل «الزولو» ينافسون الخوسا على إدارة البلاد، بينما يتركون ثروتها الكبرى من الماس والذهب فى يد البيض، الذين قد يحولون منطقة الخوسا نفسها إلى «بانتوستان»... أقسم عم «خوسا» أن يترصد لهؤلاء جميعاً في انتخابات يزعمون أن تكون حرة تماماً عام 2014، وتوعد أنه طوال عام 2013 لن يهدأ، إما بإشعال المنافسة القبلية ومعه نظام رخو للمجالس المحلية التي يستطيع أن ينجح فيها وينافس كبراءهم، أو يدعم أبناءه وأقاربه العاملين في مناجم الماس والذهب، ومعظمها في منطقته، ليواصلوا إضراباتهم مثلما فعل المهاجرون وغيرهم في منطقة «ماريكانا» وأدبوا «الحكومة» واتحاد العمال الذي أصبح موالياً لها فقط واسمه «كوساتو»... وحين حذره حفيد «لوتولي» من أن شركات التعدين استفادت من منافسات العمال، وكادت تكسب من إضرابات «ماريكانا»، قال إنه وأهله في العشوائيات قريبون من مواقع التعدين الغنية في «كمبرلي» وسط البلاد وسيحمون العمال ليجعلوها «ثورة ربيع» جنوبية تسمع بها القارة، كما سمعت «بشاربفيل» و«سويتو» من قبل... ونام عم خوسا عن آماله في عام 2013 انتظاراً لعام 2014 وانتخاباته! لكن «عم خوسا» يشعر أنه يحمل على كتفيه أيضاً عبء مشاكل أقربائه في زيمبابوي، فهم هناك يعيشون في قرية جميعهم من «الشونا»، وحصلوا على جزء من الأراضي الزراعية، التي كان البيض يملكونها جميعاً. ويقولون هناك إن المدارس في زيمبابوي تقدم مستوى من التعليم أعلى منه في جنوب أفريقيا نفسها، وإن حركة التجارة الحرة عبر الحدود مع جنوب أفريقيا تجعل المواد متوافرة، وإن أسعارها ليست أعلى من تلك، التي يقولون إنها ميسرة في جنوب أفريقيا. لكن صديقه الذي كان يعمل في مناجم «كمبرلي»؛ عم «أليكس مويو» لا يبدو في خطاباته سعيداً بعد أن خرج شبه مطارد من جنوب أفريقيا هو والمئات لإحساس محلي بالمنافسة العمالية. وهم أيضاً يقولون له إن ثمة انتخابات عام 2013 للرئاسة في زيمبابوي، لا يعرف عن أساسها شيئاً، فالرئيس موجابي بلغ حوالى التسعين من عمره، ولم يستقر التحالف الحاكم على الدستور الجديد بعد رغم أن انتخابات عامة لابد أن تجرى على أساسه، و«التحالف» من ثلاثة أحزاب معارضة وقوية تمثل الشكل الديمقراطي الذي يتحدثون عنه في كل مكان آخر، وبقيادة مسموعة دولياً مثل مورجان «تسفانجراي»، فلماذا إذن يتهمون ابن قبيلته «موجابي» بالديكتاتورية... وما الفرق بينه وبين الرئيس «زوما» وكلاهما يتزوج بنت الحلال كل فترة وأخرى وفقاً لتقاليد البلاد السائدة! على أي حال أن موجابي يشعر أكثر بالاستقرار كلما زادت أزمات زوما في حنوب أفريقيا. لكن عم «أليكس مويو» قلق، لأن المحيطين بالرئيس موجابي، لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم ولا يسمع إلا صوت موجابي. وهو يعلن كل يوم أنه يخجل من الانسحاب من السلطة الآن فيتهم بالجبن، وعدم الاستمرار في الدفاع عن مواطنيه ضد العملاء والمعادين لمصالحهم! وعم «مويو» يريد المحافظة على مصالحه، لكنه يريد أيضاً أن يقول رأيه فيما يحدث الآن... في عام 2013 وليس عام 2023! أما عم «يوسفو مومو»، فإنه قابع في «كادونا» بنيجيريا، لم يغادرها أبداً، وإن كان يذكر أنه ذهب لبعض الوقت في صغره إلى «كانو» حيث كانت كلمة «مدارس» تطلق على فصول صغار الفقهاء في المدينة، وكان يتمنى أن يصير «عالماً» أو زعيماً مثل سلطان «سوكوتو» أو في الجامعة الشهيرة في «زاريا»، جامعة «أحمدوبللو» الاسم الأصيل لها... منتسبة إلى ذلك الحاكم، الشيخ العالم، الذي دافع عن اتهامه بالتقليدية والقبلية، فأنشأ هذه الجامعة منذ عام 1960 على حدود الشمال والجنوب، لتكون منارة للحداثة في نيجيريا قبل كل الجامعات الأخرى، بل إنها بالغت أحياناً حين استولى على قيادتها شبان يساريون، ووطنيون متطرفون مثل يوسفو بالا عثمان أو «يوسف بانجورا» وحتى الليبرالي « إبراهيم جامباري»... لكن عم «مومو» يفاجأ الآن بصراع الكنيسة والمسجد في زاريا، وأن الأخبار تختلط عليه من «دلتا النيجر» جنوباً حتى «مايدوجري» شمالاً ليس فقط حاملة مآس الصراع الاجتماعي والطائفي، ولكن لأن ثمة صراعاً جديداً تقوده جماعة لا يعرف كنهها تحمل اسم «بوكو حرام»، أي أن التعليم الحديث... حرام!. فماذا يفعل عم «مومو» والملايين من النيجيريين في هذه المدارس ويخرجون منها إلى الإدارة والتجارة؟ وماذا يعمل هو ورزقه مرهون بخدمته ضمن عمالة جامعة «زاريا» الشهيرة؟ ومن يعطي هذه الجماعة الصغيرة «بوكو حرام »الأموال والسلاح الآن لتقوم بكل هذا الضجيج؟ هل لجماعة العسكر صلة بذلك؟ هل ثمة منافسات تمهد لانتخابات الرئاسة ودفع جماهير الجنوب للتسليم بها دائماً للشمال؟ هل هم القادمون من ليبيا ومعهم بعض أسلحة من المخزون هناك؟ وبينما «عم مومو» يفكر وحده في مشاكل مفروضة عليه هكذا، وإذ بالأنباء عن طلب ابنه للجيش، لأن بلاده «قررت» المشاركة في قوات «الإيكواس» مع بعض دول غرب أفريقيا للتدخل لوقف «الصراع» الدائر في مالي، واستيلاء المتطرفين على «تمبوكتو» باعتبارهم «أيضاً أنصار الدين» تارة، والطوارق تارة أخرى أو «فلول» الجيش السابق على انقلاب الشبان في «باماكو»، تارة ثالثة! لم يفهم «عم مومو» كل هذه التحليلات العبقرية. لم يفهم إلا أن بلاده الغارقة في «الفتنة» هذه كيف تقود جيوشاً لتأديب غيرها؟ قال له بعض الخبثاء من شباب القرية إن بريطانيا وأميركا تريدان أن تحاربا نيجيريا نيابة عنها، وتذكر جر بلاده من قبل إلى ساحل العاج وسيراليون وليبيريا، ولم يفهم لماذا لا ينصلح حاله أولا، ويوفرون العمل لإبنه وأخواته بدلا من جرهم لهذه الحروب التي لا يفهمها؟ قالوا له إن بلاده مهمة، ووراءها دول كبرى أخرى، ومشاركتها هذه في وقف الإرهاب الدولي للمتطرفين، تجعلها زعيمة أكبر في المنطقة، وتجعله شخصاً مهماً بدوره... وما عليه إلا أن يأمل أن يتم ذلك في عام 2013... فقرر اختيار طريق الصبر!