يقول «توماس مان»، و«نورمان أورنشتاين» في كتابهما المعنون: «إنه حتى أسوأ مما يبدو عليه... كيف تصادم النظام الدستوري الأميركي مع سياسات التطرف الجديدة»، إنهما عندما شرعا في تدوين كتاب عن التطرف المتنامي في السياسة الأميركية منذ 18 شهراً، كانا يعتقدان أن الكونجرس رقم 112 هو أسوأ كونجرس عرفته أميركا خلال العقود الأربعة التي قضياها في واشنطن. ولكن الصراع حول سقف الدَّين الفيدرالي، والهاوية المالية، ومشروع قانون المزارع، وإغلاق إدارة الطيران المدني، أقنعتهم بأنه كان أسوأ كونجرس في تاريخ أميركا على الإطلاق. وعلى رغم ما كان يعتريه من عوار وظيفي، إلا أن هناك العديد من نواحي سوء الإدراك واسعة الانتشار، أو لنقل حتى الأساطير، المحيطة بالكونجرس رقم 113 أيضاً وما ينتظره في المستقبل، فدعونا هنا نحاول تصحيح القليل منها: الأسطورة الأولى: مؤداها أن الكونجرس رقم 112 لم يكن على تلك الدرجة من السوء التي كان عليها الكونجرس رقم 80 خلال عهد الرئيس الأسبق «هاري ترومان» وقد اشتهر بأنه الكونجرس«الذي لم يفعل شيئاً». ولكن الكونجرس رقم 80 لا ينبغي أن تلصق به تهمة أنه لم يفعل شيئاً؛ فالواقع أنه قد اعتمد عدداً من القوانين المهمة بما في ذلك خطة مارشال التي تعتبر واحدة من أهم المبادرات في القرن العشرين، والتي يمكن القول إن تأثيرها قد ظل قائماً لعقود طويلة، كما كان هو الكونجرس الذي وافق على تأسيس مجلس الأمن القومي التابع لوزارة الدفاع كجزء من عملية إعادة تنظيم شاملة لجهاز الأمن القومي الأميركي برمته، وهي عملية لا يستطيع أحد أن يهون من شأنها وأهميتها. وبالمقارنة فقد فعّل الكونجرس رقم 112 أقل عدد من القوانين في التاريخ الحديث (أقل من 250 قانوناً) كانت نسبة معتبرة منها من القرارات الروتينية. الأسطورة الثانية: أن أوباما لم يكن بارعاً في العمل مع الكونجرس، وكثيراً ما يستشهد من يروجون تلك الأسطورة بما كان يفعله رؤساء سابقون مع أعضاء الكونجرس من أجل كسب ودهم أو إجبارهم على القبول بسياسة معينة، ويعتبرون عدم قيام أوباما بذلك دليلاً على افتقاره للقيادة، وهو اتهام ليس صحيحاً، ذلك أن فن القيادة يرتبط بالظروف التي يُمارس فيها. ولو نظرنا إلى ما نجح أوباما في تحقيقه على رغم المعارضة التي واجهها من الجمهوريين في الكونجرس الذين كانوا مصممين بكافة الطرق على عرقلة وصوله إلى الولاية الثانية، فإننا سندرك أنه قد مثل إنجازاً كبيراً. الأسطورة الثالثة: أن «بوهنر» كان الخاسر الأكبر. وهذه من ضمن العبارات التي كانت تتردد مراراً وتكراراً خلال فترة عمل الكونجرس الـ112 ومؤداها أن «بوهنر» كان رئيساً ضعيفاً لمجلس النواب. وفي الحقيقة أن المشكلة الرئيسية التي كان يعاني منها هي افتقاره إلى قاعدة أنصار، وليس افتقاره إلى القيادة. فالعديد من زملائه كانوا قلقين من التحديات الرئيسية التي يواجهونها من اليمين بدرجة أكبر من قلقهم من الضغط الذي يأتي من زعمائهم في الكونجرس. ومن هنا فإن نجاح «بوهنر» في توصيل صفقة مشروع احتواء الهاوية المالية إلى قاعة مجلس النواب، وإجراء تصويت عليها على رغم معارضة أغلبية الجمهوريين، كان نموذجاً للقيادة الفعالة في وجه عوامل مناوئة عديدة وعاتية. الأسطورة الرابعة: أن معضلات مثل معضلة سقف الدين ستصبح من الأمور المعتادة في الكونجرس. وخلال الفترة من عام 1960 إلى عام 2011 صوّت الكونجرس 78 مرة على زيادة سقف الدَّين؛ 49 مرة في عهد رؤساء جمهوريين و29 مرة مع رؤساء ديمقراطيين. وكانت اللعبة السياسية التي تتبع في كل الأحوال واحدة: حيث كان كثير من مشرعي القوانين الذين لا ينتمون لحزب الرئيس يبادرون عادة بمعارضة زيادة الحد الأعلى للدين بدعوى أن ذلك يتنافى مع الانضباط المالي، في حين كان أعضاء حزب الرئيس يصوتون بالموافقة على أساس أن ذلك هو ما تقتضيه مسؤولية الحكم، والمحافظة على الثقة الكاملة في نظام أميركا الائتماني؛ لأنه إن ضعف فسيلحق ذلك بمركزها المالي ووضعها العالمي أفدح الأضرار. وكان الفارق في الأصوات محدوداً غالباً، وكانت عملية التصويت تتم عادة في آخر لحظة، ولكن الزعماء من الجانبين كانوا يعرفون تماماً أنهم سيتمكنون من حشد الأصوات الكافية لإنقاذ أميركا من إعلان إفلاسها. أما معركة سقف الديون التي جرت وقائعها عام 2011 فتعتبر المرة الأولى التي يستخدم فيها حزب الأقلية القضية كرهينة يساوم بها الحزب الآخر الموجود في الحكم. الأسطورة الخامسة: أن الكونجرس الـ113 سوف يكون غير منتج مثله في ذلك مثل الكونجرس الـ 112. ولم تنطو انتخابات عام 2012 على كثير مما يمكن أن يوحي بأن الأمراض الشديدة التي كان النظام السياسي الأميركي مصاباً بها قد خفت حدتها، وهو ما يمكن أن يوحي بكونجرس آخر قادم مثير للجدل وعاجز عن الفعل كسابقه. ولكن الحقيقة أن هناك من الأسباب ما يدعو للتفكير بطريقة أخرى؛ لأن الاحتمالات الانتخابية للجمهوريين قد تضاءلت بشكل كبير بعد اختفاء العديد من الحوافز التي كانت تدفعهم دوماً لمعارضة الرئيس وتعطيل حركته، والحيلولة بكافة الطرق من استمراره لفترة ولاية ثانية، وهو ما يمكن أن يجعل سجل الإنجاز للكونجرس رقم 113 إيجابياً، مقارنة بالسجل التعس لسابقه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ توماس إي. مان زميل رئيسي في معهد بروكنجز نورمان جيه أورنشتاين زميل مقيم في معهد أميركان إنتربرايز ينشر بترتيب خاص مع خدمة « واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»