انشغل الرأي العام الهندي بحادثة اغتصاب جماعي لفتاة في حافلة نقل عام يوم 16 ديسمبر الماضي، وقد فارقت الفتاة الحياة على إثرها مما أثار حالة غضب جماعي فخرج آلاف المحتجين من مختلف أنحاء الهند للتعبير عن سخطهم، مطالبين الحكومة الهندية بتغليظ العقوبات على مرتكبي جرائم الاعتداء الجنسي، لتشكل العقوبات رادعاً ضد هذه الجرائم البشعة التي أصبحت تتكرر بشكل كبير ومخيف، وقبل أن تهدأ الضجة في الهند «شهدت نيبال جارتها مظاهرات شعبية تطالب بوقف العنف ضد المرأة بعد أن تقدمت امرأة ببلاغ تفيد بقيام شرطي بسرقتها واغتصابها». وحادثة «فتاة دلهي» ليست حادثة معزولة، إذ لا تنفك الحوادث تبرهن على أن العنف يمارس على المرأة بشكل متواتر وكثيف وأن جسد المرأة كان ولا يزال محل هذا العنف، ولا أدل على ذلك من انتشار حالات الاغتصاب وأخطرها اغتصاب رجال الأمن كما في حادثة فتاة نيبال، أو حادثة اغتصاب فتاة «عين زغوان» بتونس من قبل ثلاثة رجال شرطة التي تحولت إلى قضية أثارت الرأي العام التونسي العام الماضي وسلطت الأضواء على وضع المرأة في تونس بعد «ثورة الياسمين». إن الاغتصاب في مجتمع ذكوري يعكس تقييماً دونياً للمرأة، فتكرار حوادث الاعتداء الجنسي على المرأة في مجتمع ما يجعل إحساسها بالأمان هشاً وتساهم التغطيات الإعلامية المكثفة لحوادث الاغتصاب في تقويض الأمان الهش لدى نساء المجتمع خاصة بعد أن يهدأ الضجيج الإعلامي ولا تعكس العقوبات المفروضة على الجناة توقعات المجتمع لقصور التشريعات والقوانين في المجتمع عن تغليظ عقوبة الاعتداءات الجنسية والاغتصاب. إن العنف ضد المرأة موروث أساسه السلطة الأبوية، إنها سلطة ثقافية ممتدة رغم عملية التحديث والتنمية في هذه المجتمعات التي لاتصل في الحقيقة للب ثقافة المجتمع السلطوي، وبذلك يتجاوز العنف الممارس ضد المرأة المجتمعات العربية والإسلامية إلى كافة المجتمعات الأبوية، فالعنف هو فعل ثقافة أي مظهر من مظاهر الثقافة المجتمعية فإذا كانت ثقافة مجتمع ما هي مكتسب إنساني يتم تناقله بين الأجيال فاستمرار ثقافة العنف ضد المرأة في المجتمع يعيد إنتاج أوضاع العنف ويزايد عليها، ورغم التقدم والعصرنة يظل تجاوز ثقافة العنف ضد المرأة والنظرة الدونية لها هي المقياس الحقيقي لتقدم المجتمعات. إن جرائم الاغتصاب على بشاعتها هي تعبير صارخ عما تتعرض له المرأة حتى الآن، فرغم الجهود الدولية التي بذلت والاتفاقيات الدولية التي وقعت كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لمكافحة العنف ضد النساء لا زالت قضايا المرأة في بعض المجتمعات في أدنى سلم أساسيات حقوق المرأة كالحماية من العنف والأمن المجتمعي والحماية القانونية، فما لم تبذل الدول الجهود الكافية للحد والتخفيف من مشكلة العنف ضد النساء بتعديل بعض القوانين التي تميز بين الرجل والمرأة وتطبيق مبدأ المساواة بينهما من حيث الحقوق والواجبات التي يتمتع بها كل شخص في المجتمع، ستبقى الثقافة المجتمعية تفرض شروطها القاسية على المرأة، ويصبح الحديث عن العدالة وحقوق المرأة ترفاً فكرياً عندما ينتهك جسد المرأة وكيانها. وعوداً على بدء، لقد كانت «فتاة دلهي» ضحية الغرائز السائبة، في مجتمع رغم قشور التمدن والعصرنة لا يزال يمارس تمييزاً تجاه المرأة، وقد تضافرت عوامل عديدة مجتمعية وقانونية جميعها، لتؤسس لاستمرارية التمييز والعنف ضد المرأة، فالعنف مستمر وسيستمر وسيمارس بأشكال مختلفة، وعندما تقع الحوادث هنا أو هناك تكون بمثابة مؤشرات على استمرار مناخ العنف والنظرة الدونية للمرأة فهي حالات تؤكد القاعدة وليست استثناء كما يخال البعض.