لم تكن الإمارات العربية المتحدة أكثر منها قوة وتأثيراً كما هي الآن، فولاء مواطنيها اليوم لقيادتهم هو أكبر من أي وقت مضى، وأنموذجها السياسي ونجاح اتحادها، ورفاه مواطنيها الاجتماعي وسعادة المقيمين على أراضيها، والأحلام التي تتحقق للمهاجرين، والأمان الذي يشعرون به والاحترام الذي يسبغ عليهم حيثما توجهوا، كل ذلك أصبح نفوذاً معنوياً وقوة جاذبة، تتضاعف مع كل إنجاز، وتتجدد مع كل قرار لصالح المواطن. مع كل إشراقة شمس، نعلم أن مواطنين إماراتيين على موعد مع السعادة، ومع كل هجعة فإن آخرين مثلهم يرقدون على أمل وحلم. المواطنون في السابق كانوا يدينون بولاء عميق لشيوخهم، حيث أمِنوا بعد خوف، والتأموا بعد شتات، وشبعوا بعد جوع، واغتنوا بعد عيلة، وعزوا بعد ضعف، أما اليوم فقد غدا الأمن صفة راسخة تكاد تكون موازية لاسم الاتحاد، والاتحاد صار حقيقة وجزءاً من ماهية البلاد، لا يمكن تصور الإمارات بدونه. ومن يتذكر كيف كانت بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية والمواقع الإخبارية الإلكترونية، قبل ست سنوات، وهي تتكهن بتفكك الاتحاد، وتروج لنظريات وتضخ تحليلات، ثم ينظر الآن إلى اللحظة الراهنة، يلمس حقاً معنى أن تتفوق أمة شابة على كل المصاعب، وتتجاوز كل العقبات، وتكون القيادة السياسية ومواطنوها شركاء في حماية واحد من أعظم الإنجازات السياسية التي حققها العرب في العصر الحديث. اليوم تواجه الإمارات تحديات أكبر بكثير مما كانت عليه البلاد أثناء التأسيس، حيث تواجه المنطقة عموماً والخليج على الأخص المؤامرات والتحديات وعواصف الأفكار، والانجراف وراء الشعارات التي أصبحت تفعل في العقول فعل الحُمَيَّا، وتسلب الشيخ وقاره، والحكيم حصافته، وتجعل الذكي تابعاً وغوغائياً يقاد كما يقاد الرعاع، وأسوأ من ذلك أن الأمانة والثقة أصبحتا مطلباً عزيز المنال. فمن لك اليوم بمن تأمن بوائقه وانقلابه وهو عرضة كل ساعة لمغريات تستثمر أسوأ ما عند الإنسان من غرائز، وتلعب بالمشاعر، وتثير جشعه، وتفتح شهيته، وتجعله إنساناً مشوش التفكير أعمى الرؤية لا يرى إلا السيئ، ولا تتفتح عيناه إلا على التقصير!؟ اليوم تمد الإمارات تأثيرها العميق نحو جيرانها بأكثر طرق الحضارة رقياً، التي تتمثل في النموذج القائم والإنجاز الملموس، في المشاريع العظيمة الجبارة التي أذهلت العالم. غير أن البشر يحكمهم قانون راسخ وهو أنه «من لم يغزُ غزيَ »، فهذه الحكمة قيلت قبل آلاف السنين، ولكنها كانت منذ شعر الإنسان بقوته، ونمت فيه نزعة السيادة والسيطرة ، هي القانون الذي يسود العلاقة بين الضعيف والقوي، والعلامة الفارقة بين القانع المسترخي وبين الطامح البعيد الأهداف العميق الغور، وهي الحكمة التي تقود المستبصرين من القادة والزعماء الذين يستشفون المستقبل، ويعرفون أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم. اليوم من لم يبتدر التبشير بأنموذجه السياسي والترويج لثقافته، وفلسفته الاجتماعية الدينية، فسوف يكون دائماً مهبطاً للتيارات، وميداناً للتجارب، وعرضة للغزو، ومرغماً على الدوام على الدفاع عن رؤيته وفكره. الخلاصة: حين تبشر بمبادئك وتنفق بسخاء على ذلك، وتمنح نفسك الوقت والصبر، وتحسن اختيار الدعاة والمبشرين في عقر دار أعدائك، فإنك ستجني الثمار ذات يوم، فنجاح التنمية وحدها لا يكفي، بل عليك أن تحميها خارج الحدود، وتبشر بأسسها الفلسفية والرؤية التي كانت وراءها.