في ظل ظرف استثنائي وغير عادي بالنسبة لفنزويلا ورئيسها تشافيز شخصياً وحزبه الحاكم، عقدت الجمعية الوطنية الفنزويلية (البرلمان) اجتماعاً يوم السبت الماضي أعادت خلاله انتخاب رئيسها الحالي ديوسدادو كابيللو لولاية جديدة مدتها أربعة أعوام. فوسط جو من الشائعات والتوقعات المتضاربة حول الحالة الصحية لرئيس البلاد الذي يخضع للعلاج من السرطان في كوبا، وقد تأكد تعرضه لانتكاسة صحية في الآونة الأخيرة، تثار تساؤلات كثيرة حول مدى قدرة تشافيز على الاستمرار في أداء مهام منصبه الرئاسي. لذلك فقد حاول كابيللو تبديد الشكوك وطمأنة الرأي العام حول مصير تشافيز، حيث قال: «لن نسمح أبداً بخداع الناس»، وأكد أن «الرئيس سيظل رئيساً بعد العاشر من يناير، ولا ينبغي أن يساور الشكُّ أحداً بهذا الشأن». وهو بذلك يشير إلى الجدل القائم بشأن ما ينبغي فعله إذا لم يتمكن تشافيز من حضور مراسم أداء اليمين لولاية جديدة في منصبه، والمزمع تنظيمها يوم الخميس القادم، إذ من المرجّح أنه فيما لو تغيب تشافيز عن أداء اليمين فلن يستطيع تسلم الرئاسة مجدداً عقب فوزه بولاية رابعة في الانتخابات الرئاسية المنظمة في أكتوبر الماضي، وبالتالي فسيكون ذلك دليلا على عجز بدني يترتب عليه إعلان شغور المنصب الرئاسي. وطبقاً للدستور الفنزويلي، فإنه في مثل هذه الحالة يتولى رئيس الجمعية الوطنية رئاسة البلاد بالإنابة ويوجه الدعوة لتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة. وكابيللو سياسي فنزويلي وعسكري سابق، شاركَ تشافيز محاولتَه الانقلابية عندما كانا ضابطين متوسطي الرتبة في الجيش، ثم تقلد عدة مناصب وزارية، وأصبح حاكماً لثاني أكبر ولاية في البلاد، وأخيراً ترأس البرلمان الوطني الفنزويلي. وقبل ذلك حدث أن تولى كابيللو مقاليد الرئاسة خلال الانقلاب على تشافيز عام 2002، لكن لفترة وجيزة حيث أصبحت رئاسته ثاني أقصر فترة رئاسية معروفة بعد رئاسة «لاسكيرين بدرو» الذي عينه الجنرالات رئيساً للمكسيك عام 1913، لكن لمدة لا تزيد عن 55 دقيقة! وقد ولد ديوسدادو كابيللو روندون عام 1963 في «آلفوريال» بولاية «موناجاس» الواقعة في الشمال الشرقي على شاطئ الكاريبي، وتلقى تكوينه في مجال الهندسة حيث نال درجة البكالوريوس في هندسة النظم من المعهد الوطني للتخصصات المتعددة، ثم حصل على شهادة دبلوم الدراسات العليا في تسيير المشاريع الهندسية من جامعة آندريه بيلو الكاتوليكية. والتحق بالقوات المسلحة الفنزويلية، وفيها خطط لانقلاب عسكري مع شافيز، شريكه في أفكار الثورة البوليفارية، لكن محاولتهما منيت بالفشل فاعتقالا عام 1992 وصدر عليهما حكم بالسجن لمدة عامين. بيد أن فشل المحاولة الانقلابية وتجربة السجن لم تمنعا تشافيز وكابيللو من الاستمرار في نشاطهما السياسي المعارض والعمل على التبشير بالأيديولوجية البوليفارية، حيث أنشآ «حركة الجمهورية الخامسة» في عام 1997 كإطار انضوت تحته بعض القوى والحركات اليسارية. وفي العام التالي رشحت الحركة زعيمها تشافيز لانتخابات الرئاسة الفنزويلية، ففاز بها، بينما تولى كابيللو مناصب تنفيذية وحزبية وتشريعية هامة في العهد الجديد. لقد أشرف كابيللو على تنظيم القاعدة الشعبية المؤيدة لتشافيز، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني وعلى رأسها «الحلقات البوليفارية»، كما ترأس هيئة الاتصالات الفنزويلية بالتزامن مع تحرير السوق وفتحه أمام المنافسة. ثم عُين في مايو عام 2001 رئيساً لموظفي الرئاسة، وأصبح نائباً للرئيس تشافيز في يناير عام 2002 خلفاً لأدينا باستيداس. وفي هذا المنصب كان كابيللو مسؤولا عن العلاقات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وعن متابعة المشاريع الاستراتيجية الرئيسية. لكن دون تخطيط أو سعي منه، تولى كابيللو مقاليد الرئاسة بشكل مؤقت، وذلك إثر إفشال المحاولة الانقلابية التي نظمتها ضد تشافيز أوساط عسكرية ومالية ونقابية بمباركة الكنيسة، حيث تمت إزاحة الرئيس المؤقت «بيدرو كارمونا» الذي اشترط أن يسلم مقاليد الرئاسة لكابيللو، فعاد تشافيز إلى قصره الرئاسي بكاراكاس، المعروف باسم ميرافلوريس، بعد 48 ساعة من الاعتقال. وفي بداية رئاسته التي استمرت بضع ساعات فحسب، قال كابيللو: «أنا رئيس بالإنابة فقط إلى أن يعود رئيس الجمهورية هيجو تشافيز إلى مكتبه». وفي 28 من الشهر نفسه، أصبح كابيللو وزيراً للداخلية، ثم وزيراً للبنية التحتية في يناير عام 2003، وقد ظل في ذلك المنصب إلى أن انتخب في أكتوبر من العام التالي محافظاً لولاية ميراندا لمدة أربع سنوات، لكنه خسر انتخابات التجديد في عام 2008، فعين وزيراً للأشغال العامة والإسكان، ثم أضاف إليها في العام التالي رئاسة اللجنة الوطنية الفنزويلية للاتصالات. لكنه استقال من الوزارة لدى انتخابه نائباً في البرلمان عن إحدى الدوائر في ولايته «موناجاس» عام 2010، ثم عينه تشافيز نائباً له في قيادة «الحزب الاشتراكي الفنزويلي المتحد» الحاكم عام 2011، ليتم انتخابه في العام الماضي رئيساً للبرلمان، وهو المنصب الذي انتخب له مجدداً يوم السبت الماضي. ورغم ما جرى من مياه داخل دائرة الحكم في فنزويلا، وما تقلده كابيللو من مناصب تنم عن ثقة عالية يحظى بها لدى تشافيز، فإن توليه منصب الرئاسة هذه المرة قد يدوم أكثر من بضع ساعات، حتى ولو كانت رئاسة بالإنابة أيضاً. فانتخاب كابيللو، الحليف الوثيق لتشافيز، رئيساً للجمعية الوطنية، يمهد أمامه الطريق لكي يصبح الرئيس الانتقالي للبلاد في حالة عدم شفاء تشافيز من الجراحة التي أجراها مؤقتاً لإزالة ورم سرطاني. وبذلك يكون المجلس التشريعي الذي يهيمن عليه حزب تشافيز وأنصاره، قد عزز وضع الضابط العسكري السابق، كثالث أقوى شخصية في نظام الحكم البوليفاري، بعد تشافيز ونائبه نيكولاس مادورو الذي يتوقع أن يكون مرشح «الحزب الاشتراكي الفنزويلي المتحد» لانتخابات الرئاسة القادمة، لكن قبل ذلك سيتولى الرئاسة المؤقتة للبلاد قيادي آخر في الحزب وأحد الأصدقاء المخلصين لتشافيز، ألا وهو ديوسدادو كابيللو. محمد ولد المنى