لولا مُر المعاناة التي تظلل حياة العراقيين لما كان وضع العراق الراهن بهذا التوتر، ولا كان رجال الدين بهذه المساندة الإيجابية المؤثرة في سير الحراك الذي يعكس احتجاجاً على كم الظلم الواقع على أهل السُنة في العراق العربي حتى النخاع. ولأن العراق على مر تاريخه لم يكن يعرف ماذا تعني طائفية، فقد انضم لما قد يعرف بـ«الربيع» العراقي من كل لون، وهذا في حد ذاته مدعاة لقلق الحكومة، التي باتت تدرك تماماً ماذا صنعت بالعراق، وإلى أي هاوية ألقي بهذا البلد العظيم. وكم هو مضحك مبك أن يكرر رئيس الحكومة حديث الطغاة جميعاً بأن إسرائيل تقف وراء التوترات الأخيرة في العراق، رغم أنه قد وصل إلى هذا المنصب بموافقة أميركية ومباركة إيرانية. وبالمناسبة فإن إسرائيل تكره أن يكون ما يجري في العراق فرصة للعدالة على أرض الرافدين. فالتنسيق الواضح بين السُنة والشيعة يكشف أن الوضع لم يعد يُطاق، وأن على الحكومة أن تبحث لها عن منافذ في اتجاه العدالة والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. فدولة بترولية كالعراق كيف لشعبها أن يشكو كل هذا الفقر والبؤس، والعوز لو لم يكن الفساد سيد الموقف، ولولا أن الاستغلال والنهب لثروات البلاد أصابها في مقتل وجعل الطغمة الفاسدة، هي المسيطرة على مقدرات البلاد وثرواتها. ويبدو أن العراقيين قد استفادوا مما جرى في تونس ومصر وسوريا. فالحراك لديهم يبدو أكثر تنظيماً. ويتم عن دراسة متداولة وعن تواصل بين كافة الأطياف بحيث تكون خطوات الاحتجاج لها تأثيرها وصوتها المسموع للحكومة. ورغم أن إيران أرسلت كل خبراتها في قمع المتظاهرين، فإن هناك ظواهر بأن الحكومة العراقية لم تتخذ خيار العنف لمعرفتها التامة بأنها الحلقة الأضعف. وأزعم أن استقرار العراق ونجاحه في زراعة وروده ورياحينه وخضرته، سيكون نجاحاً عربياً. فعودة العراق العربي تعني انتصاره ضد الهيمنة الخارجية، والتي تستقوي ضد دول الخليج. كما أن نجاح العراق يعني سقوط ذريع لمخطط محاصرة الوطن العربي وتفريغ الأمة من عروبتها وهويتها وقوتها العسكرية والاقتصادية. نحن في حاجة ماسة إلى أجندة عربية مشتركة تخطط بتفكير استراتيجي كيف تحافظ على مقدرات الأمة، وكيف تحمي نفسها من مطامع ما زالت منذ قدم التاريخ، وهي تسعى إلى تقويض المنجز العربي بكل أشكاله وعلى كافة أصعدته. وهل ما يجري في العراق هو الشرارة الأولى في رسم خريطة طريق لحماية وإنقاذ أمة عربية بأكملها؟