تمثل حادثة الخلية الإخوانية المصرية التي ألقت سلطات الأمن في دولة الإمارات العربية المتحدة القبض على قيادييها خلال الأسبوع الماضي، جرس الإنذار وناقوس الخطر بالنسبة لكافة بلدان مجلس التعاون الخليجي، حيث إن إحدى التهم الموجهة إليهم هي التخطيط لتغيير أنظمة الحكم في المنطقة، وليس في دولة الإمارات وحدها. وما يثير الاستغراب هو أن ترسل الحكومة المصرية وفداً رفيع المستوى، يضم بين أعضائه مساعد رئيس الجمهورية ورئيس جهاز الاستخبارات إلى أبوظبي لما أسمته «بالتفاهم مع حكومة الإمارات حول الموضوع ولطمأنتها»، ثم بالطبع إخلاء سبيل المتهمين. أي تفاهم يقصدون؟ إن المسألة لا تتعلق بخلاف سياسي بين البلدين -لا سمح الله- حتى يتم التفاهم حوله، بل بمجموعة من الوافدين -بغض النظر عن جنسيتهم- يواجهون تهماً سياسية وأمنية خطيرة للغاية، ومن حق القضاء الإماراتي النظر في أمرهم دون أي تدخل من حكومة بلدهم الأصلي. فبموجب القانون الدولي يخضع كل شخص يقيم في بلد غير بلده الأصلي لقوانين ومحاكم البلد الذي اختار أن يقيم فيه. وأقصى ما تجيزه الأعراف الدبلوماسية لحكومة البلد الأصلي هو أن تطلب سفارته في البلد المضيف معلومات عن طبيعة التهم الموجهة إلى مواطنيها والتأكد من أنه لا تتم معاملتهم بتعسف وبشكل يتنافى مع القوانين المحلية للبلد المضيف، لكن لا يحق لها بتاتاً التدخل في مجرى التحقيقات والقضاء المحلي. ماذا يعني إذن أن توفد حكومة في مصر وفداً بهذا المستوى فور إعلان القبض على الخلية المذكورة، قبل أن يبدأ حتى التحقيق معهم، دع عنك محاكمتهم وإصدار أحكام بحقهم؟ ألا يثبت ذلك صحة إحدى التهم الموجهة للمحتجزين، وهي صلتهم وتنسيقهم مع حزب «الإخوان» الأم في مصر؟ أي التزام تشعر به الحكومة المصرية تجاههم حتى تخرق الأعراف الدبلوماسية من أجلهم؟ وما هي صلتها بهم والتي نتجت عنها هذه الدرجة من الشعور بالالتزام؟ هل وعدتهم مسبقاً بالتدخل لإنقاذهم إذا اكتشف أمرهم؟ أي طمأنة تقصدها حكومة مصر الشقيقة؟ وبأية صفة تقدم الحكومة المصرية طمأنتها لحكومة الإمارات نيابة عن المتهمين ومن منطلق أية رابطة؟ وهل يعني اكتشاف هذه الخلية نكسة لمخطط إقليمي واسع؟ وهل المقصود بالطمأنة تخدير بلدان الخليج عن مؤامرة خطيرة تحاك ضدها إلى أن يصبح الوقت متأخراً؟ ماذا تعني المظاهرات التي خرجت -أو أُخرجت- في القاهرة مطالبةً الحكومةَ المصريةَ بالتدخل لإطلاق سراح المتهمين، بينما يعلم المتظاهرون جيداً بأن من له الحق بإطلاق سراحهم أو بتوقيع عقوبة ما عليهم هو القضاء الإماراتي وليس الشارع المصري أو الحكومة المصرية؟! هذه تساؤلات تلقائية ترد على الأذهان. ولا ننسى أن من لا يثق بالعدالة في بلد ما ولا يحترم قوانينه وليس مستعداً للتقيد بها، فليس بمقدور البلد المعني أن يجبره على الإقامة وكسب الرزق فيه. لننظر إلى التبعات المنطقية والعملية لذلك الموقف. بما أن التخطيط والتآمر لتغيير النظام السياسي يعتبر جريمة كبرى في كل بلدان العالم، وضمنها مصر العزيزة، قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، ماذا لو صدر حكم إعدام بحق أحد أو بعض المتهمين المذكورين، مع تمنياتنا بألا يحدث ذلك؟ إلى أية درجة سيصل التصعيد المصري ضد دولة الإمارات الشقيقة؟ هل يوجد وافدون فوق القانون وآخرون تحته؟ لقد تم إلقاء القبض وتوقيع عقوبات -بلغ بعضها درجة الإعدام- على العديد من المقيمين في الكويت وبقية بلدان الخليج من عدة بلدان أجنبية، بينها دول عظمى، دون أن تفتعل بلدانهم الأصلية أية ضجة لأنها تلتزم بقواعد اللعبة في القانون الدولي وتحترمها؟ فلماذا تأتي الضجة من مصر وحدها؟ ثم لننظر إلى المسألة بشكل معكوس، أي ماذا لو اكتشفت مصر خلية إماراتية تخطط لقلب نظام الحكم فيها؟ هل ستقبل بتدخل حكومة الإمارات، أم ستخرج مظاهرات في المدن المصرية تطالب بإعدام أعضاء الخلية فوراً؟! ثم ما مبرر نغمة الهاجس الأمني لدول الخليج الذي لا تتوقف الحكومة وأجهزة الإعلام المصرية عن ترديدها على مسامعنا، وهي النغمة التي لم نسمعها قط من القوى العظمى نفسها؟ هذه أيضاً مجرد أسئلة أخرى تخالج الذهن. إن هذه الحادثة تذكرنا بحوادث سابقة مؤسفة كحادثة خيطان التي تم فيها تكسير سيارات الشرطة وانتهاك حرمة مساكن المواطنين، وحادثة المحامي المصري الذي أوقفته السلطات السعودية بتهمة الإساءة إلى المملكة، وكحادثة احتجاز مدير مكتب إحدى شركات الطيران الكويتية الخاصة في القاهرة في مكتبه عدة أيام بدون طعام أو دواء لدرجة تعريض حياته للخطر. ولم تخرج مع ذلك أية مظاهرات عند سفارة مصر في الكويت أو الرياض. يعيش في دول الخليج مواطنون من أكثر من 180 بلداً. ماذا لو حذت حكومة كل من هذه البلدان حذو الحكومة المصرية بالضغط على أي بلد خليجي يحتجز أحد مواطنيها بشبهة ارتكابه جناية أو جريمة؟ أي فوضى قانونية ستحدث؟ ثم لماذا يستهين الإخوة في مصر بدول الخليج، بينما لم يحركوا ساكناً حيال القذافي حينما ألقى المدرسين المصريين على الحدود المصرية الليبية؟ هل لمجرد أنه كان ديكتاتوراً باطشاً؟ وهل تعتبرون دول الخليج مطواعة لينة بالحق والباطل؟ تمثل هذه الحالة في رأيي اختباراً حقيقياً لمنظومة مجلس التعاون الخليجي. فهل سيقف المجلس متفرجاً أم سيقف إلى جانب الحق الإماراتي الذي تقره كافة الأعراف السياسية والدبلوماسية، وهو إخضاع كل من يقيم على أرضها لقوانينها وأنظمتها المحلية؟! هل ستتنبه دول المجلس لما يحاك ضد أمنها، أم ستستمر في سياسة المجاملات على حساب أمنها واستقرارها؟! يعيدنا هذا كله إلى مشكلة التركيبة السكانية في دول الخليج، والتي حذرنا وحذر منها غيرنا مرات كثيرة دون جدوى، بسبب قوة نفوذ المستفيدين والمتربِّحين، وهذا موضوع مقالات أخرى. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ ـ ــ فيصل راشد الغيص سفير كويتي المقال منشور في صحيفة "الوطن" الكويتية يوم 6 يناير 2013.