تحديات العام الجديد في فرنسا... وبدايات توافق صعب في أميركا أمنيات وتحديات العام الجديد في فرنسا، ودخول بوتين على خط قضية «دوبارديو»، وتجنيب أميركا الوقوع في «الهاوية المالية»، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. تحديات عام جديد نشرت صحيفة لوموند يوم الخميس الماضي مقالاً مطولاً لرئيس الوزراء الفرنسي «جان- مارك إيروت» قدم فيه برنامج عمل حكومته خلال العام الجديد، ورؤيتها الخاصة لاحتواء التحديات الكثيرة المطروحة على فرنسا اليوم، وقد جاء عنوان المقال «من أجل نموذج فرنسي جديد» معبراً في حد ذاته عن مدى الإحساس بضرورة إجراء تحول جذري في نمط الإنتاج وآليات تسيير وتدبير السياستين الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، بكيفية تسمح بتجاوز أعطاب وعوائق النموذج القديم الذي ترسخ طوال الأعوام بل العقود المديدة الماضية، وقد تكشف في النهاية عن كثير من مظاهر الهشاشة: حيث إن الفروق والتفاوتات الاقتصادية بين مختلف شرائح المجتمع تزداد اتساعاً، والبطالة والدَّين العام يرتفعان في عنان السماء، والشركات الفرنسية تتعثر في مجال الصادرات وتخفق أيضاً في نيل رضا السوق الداخلية. بل إن المواطنين الفرنسيين ما فتئوا يعبرون عن عدم رضاهم عن الطابع محدود الديمقراطية الذي يكتنف عملية اتخاذ القرارات العمومية، كما يسود ما يشبه حالة شلل عام في العلاقات الاجتماعية والسياسية في نسيج الفضاء العام. هذا طبعاً زيادة على التحديات الثقيلة الأخرى الإضافية المترتبة على تداعيات الأزمة المالية، التي تضرب عموم المنطقة الأوروبية، وتتحمل البلاد جزءاً كبيراً من ثمنها الباهظ. وبذلك تضافرت الأزمة الاقتصادية مع الأزمة الاجتماعية، وأمام تفاعل هذا الخليط المتفجر تجد فرنسا نفسها اليوم في حال لا تحسد عليه حقاً. وفي مواجهة كل هذه التحديات يقول «إيروت» فإن هنالك الآن إرادة جادة لدى الرئيس أولاند، والحكومة، من أجل اجتراح طريق آخر للبلاد يجنبها المزيد من ضغوط الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية، واستطراداً الأزمة السياسية، وذلك من خلال: إحياء المعاني والأهداف العميقة للنموذج الفرنسي، لاستلهامها في الوقت الحاضر، ولبعث القيم الجمهورية الأولى المؤسسة. وهذا يحتاج إلى كثير من العزيمة والشجاعة. ولذلك، يقول رئيس الوزراء الفرنسي، فقد قدمتُ صباح اليوم خريطة طريق للأشهر الستة المقبلة، ولكننا ننظر أيضاً إلى أفق أبعد من ذلك بكثير. وكما قال أولاند فإن الأفول ليس هو مصيرنا أبداً. ويمضي «إيروت» بعد هذه التأكيدات الساعية لضخ جرعة من الأمل في المستقبل بعد ذلك مفصلاً في برنامجه لمواجهة البطالة، وضعف الإنتاجية، ومآزق التصدير، وتحديات البيئة، وضرورات ترويج العلمانية، وغير ذلك كثير. وفي سياق متصل ببداية العام أيضاً نشرت صحيفة لومانيتيه افتتاحية بعنوان «أمنياتنا» قالت فيها إن كل الدلائل تشير الآن إلى أن سنة 2013 ستكون سنة بالغة الصعوبة في فرنسا، وهذا يقتضي توحيد صفوف جميع القوى الرامية للتغير والعبور باقتصاد البلاد من الأزمة، وذلك لكي تكون لها كلمة مؤثرة في التحولات وموازين قوى العلاقات الاجتماعية، والاقتصادية المطلبية، ومن وراء ذلك في التجاذبات السياسية أيضاً. والإشارة هنا تحديداً إلى كافة قوى اليسار، سواء منها الحزب الاشتراكي الحاكم أو الأحزاب الشيوعية وتيار البيئة. واللافت أن أولاند، في خطاب التهنئة بالعام الجديد، الذي ركز فيه على الدعوة لدعم إصلاحات في تسيير الخزينة العامة، لم يقدم ذلك بطريقة كافية لحشد الدعم الوطني الواسع الكفيل بتقويم اختلالات الاقتصاد، وتغول حالة البطالة. ومن جانبه اختار الكاتب «أريك ديكودي» أن يضع كلمة «الأمل» عنواناً لافتتاحية صحيفة ليبراسيون بمناسبة العام الجديد، متحدثاً مع ذلك ابتداءً عن المصاعب التي تواجه محاولات احتواء الأزمة المالية الأوروبية التي لا تصل إلى غاياتها حتى الآن، وكذلك واقع فرنسا الصعب الذي تضرب البطالة فيه أرقاماً قياسية، ولا تشهد معدلات النمو تحسناً، وتتآكل القدرة الشرائية، وتواصل البيئة ترديها. ومع هذا يبقى هنالك حلم بأن تكون سنة 2013 الجديدة سنة للأمل، ولإعادة الاعتبار للعدالة الاجتماعية، وإصلاح نظم الضرائب، ولماذا حق الانتخاب للأجانب. ويمكن أن تكون أيضاً سنة تظهر فيها الحكومة والفئات الأكثر دخلاً قدراً من المثالية والتضامن مع الفئات الأقل دخلاً من الفرنسيين. تجنيس «دوبارديو» تساءل الكاتب إيف تريار في عموده بصحيفة لوفيغارو عن دواعي إعلان الرئيس بوتين هذا الأسبوع عن منح الجنسية الروسية للفنان جيرار دوبارديو الذي تخلى عن جواز سفره الفرنسي مؤخراً ورحل مغاضباً إلى بلجيكا احتجاجاً على ما قال إنه نظام ضرائب مجحف تسلطه الحكومة الفرنسية على مواطنيها. واعتبر الكاتب أن الأمر يبدو كما لو كان فيلماً ساخراً آخر. بل إن أولاند لم يكن يخطر بباله على الأرجح أن فكرة فرض ضرائب بنسبة 75 في المئة على ذوي الدخول الأكثر ارتفاعاً سيكتب لها أن تثير كل هذا الجدل الذي أخذ الآن طابعاً دولياً أوسع بكثير من كل ما كان متوقعاً في البداية. فقد أطلق أولاند تلك الدعوة في سياق حملته الانتخابية نحو قصر الأليزيه، وكان قصده من ورائها استقطاب أكبر قدر ممكن من أصوات ناخبي اليسار الفرنسي. وبعد مرور عشرة أشهر الآن ها هي تلك الفكرة تعود إلى الواجهة مجدداً، ولكن ليس في الموضع الذي أراده سيد قصر الأليزيه، كإجراء مساعد على علاج اختلالات الخزينة العامة، وإنما بسبب انتقاد رئيس وزرائه لهجرة الفنان دوبارديو إلى بلجيكا، ووصفه إياها بأنها تصرف مستهجن، تحولت المسألة إلى ما يشبه قضية دولة ذات تداعيات واسعة. وفجأة دخل على الخط الرئيس الروسي، ليتولى هو شخصياً الإعلان عن منح الجنسية الروسية للفنان الفرنسي. وهذا لا يمكن تصنيفه ضمن التداعيات العادية لتلك القضية، بل هو حدث سياسي جلل بكل المقاييس. ومع هذا، يقول الكاتب، فنحن نعرف أن للممثل دوبارديو علاقات وصداقات واسعة في روسيا والمنطقة الدائرة في فلكها، إلا أن الطريقة الصاخبة التي جرى بها الأمر، وكيفية الترويج له إعلامياً، تثير كثيراً من الأسئلة، ولا تخلو أيضاً من أجواء التمثيل الساخر وأفلام الهزل. ولكن في كل الأحوال، دعونا من السينما والهزل، يقول الكاتب، ولننظر إلى المسألة في أبعادها الحقيقية الواقعية المثيرة للقلق، فهذه الضريبة التي تطال 75 في المئة، ليست سوى وصفة للفشل الاقتصادي، والسياسي، والدبلوماسي، الذي لا مجال معه لارتسام الابتسامات على الوجوه. تفادي الهاوية نشرت صحيفة لوموند تغطية موسعة للاتفاق الذي توصلت إليه إدارة أوباما وخصومها الجمهوريون، هذا الأسبوع، على نحو يؤمل أن يكون قد جنب أميركا أخيراً شبح السقوط في أتون هاوية مالية لا قرار لها. واعتبرت الصحيفة أن بداية السنة الجديدة كانت ستصبح مختلفة تماماً وكارثية إلى حد بعيد لو لم يتم التوصل إلى هذا الاتفاق في النهاية، وهو ما ينبغي أن تهنئ أوروبا تحديداً نفسها عليه، فلو لم يتوافق الديمقراطيون والجمهوريون في الكونجرس على تجنيب بلادهم الانهيار المالي فإن أوروبا كانت ستأتي في طليعة من ستأخذهم أميركا معها نحو الهاوية الاقتصادية، وذلك بالنظر إلى هشاشة وضع القارة العجوز الآن. ولذا يمكن القول إن الأميركيين لم ينقذوا مبدئياً بلادهم وحدها، وإنما أنقذوا معها أيضاً الاقتصادين الأوروبي والعالمي. وفي سياق متصل بالشأن الأميركي كذلك كتب مراسل صحيفة لوفيغارو «جان- سباستيان ستيلي» تحليلاً سياسياً قال فيه إن اتهام بعض الجمهوريين لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بأن الوعكة الصحية الأخيرة التي تعرضت لها ما هي في الواقع سوى نوع من التمارض افتعلته لكي تتجنب المثول أمام الكونجرس لتقديم شهادتها بشأن حادث مقتل السفير الأميركي في ليبيا، هذا الادعاء الفج ارتد سلباً على أصحابه، حيث أثبتت الفحوص الطبية وجود جلطة في أحد أوعية الدماغ الدموية، وقد زاد ذلك تعاطف الجمهور الأميركي مع الوزيرة كلينتون، هذا إضافة إلى حجم الشعبية الواسع الذي تحظى به أصلاً، حيث ينظر إليها على أنها من أنضج مسؤولي الجيل الحاكم الآن في بلاد «العم سام»، هذا زيادة طبعاً على قرب مغادرتها لمنصبها وزيرة للخارجية، الذي أبلت فيه بلاء حسناً طيلة ولاية أوباما الرئاسية الأولى. إعداد: حسن ولد المختار