في مقالي الأول هذا العام، لم أجد فكرة تستحق الكتابة حولها مثل موضوع البداية الجديدة نحو الحياة السعيدة، فالسعادة غاية عند العقلاء من البشر في الماضي كانت مبحثاً لدى الفلاسفة والمنظرين الذين أرهقوا الناس بفكر تجريدي ومدن فاضلة لم تر النور، لكن مفهوم السعادة تحول إلى علم جديد سمي علم السعادة، happiology. وبالرغم من أن هذا المفهوم لم يصل الناس حوله إلى الآن لتعريف جامع مانع ومقياس مقنن يمكن الاستناد إليه، فإنني أزعم أن من أهم تعريفات السعادة، هي أن تكون في حالة ضد الشقاء، فعندما لا تشعر بالتعاسة فأنت سعيد، والأمر هنا ليس بحاجة إلى مقاييس مقننة علمياً لأن قلبك دليك في ذلك. قد يستغرب البعض وما علاقة السعادة بالسنة الجديدة، تأملت كثيراً في وجوه الناس الذين احتفلوا بدخول العام الجديد كل حسب قيمه وأخلاقه ومن حق كل إنسان التعبير عن هذه النقلة في حياته بما يتناسب مع معتقداته وقيمه، لكنني رأيت الناس سعداء، أو هكذا بدت عليهم مظاهر السعادة، ولست هنا مطالب بخلع قناع شخصية كل إنسان لدراسة قانون السعادة لديه، لكنها ليلة في العمر خلت وفي صباح اليوم التالي رجعت حليمة لعادتها القديمة. فمنهم من استيقظ والديون تطارده، ومنهم من ابتلي بالأمراض المختلفة، وآخرون خلعوا جلباب الحب المؤقت الذي عاشوه تلك الليلة ليصبحوا مع واقع الكره الذي يملأ حياتهم والحقد الذي يقطع فؤادهم، إنها سكرة الفرحة وقمة النشوة التي مع زوالها تظهر آلام الواقع الذي يحيط به الفشل والتخبط في جوانب الحياة المتعددة، ليس عند الكل فهناك سعداء نجحوا في جعل السعادة عادة. لكن الواقع يقول لنا إن نفراً ليس بالقليل من البشر لم يدركوا إلى يومنا هذا سبل الوصول لتلك السعادة. فمن المفيد أن نخط لهم بمداد الأمل كلمات تمثل زاداً لهم في طريق تحقيق الأمنيات لعل من أهمها: بناء الأهداف، فقد بينت الدراسات أن السعداء لهم أهداف تمكنوا من تحقيقها، وأمنيات نجحوا في نقلها من الخيال إلى الواقع. والأهداف كلمة صعبة يخشاها كثير من الناس لأن من قدمها للأسف الشديد تشعب فيها حتى جعلها صعبة المنال، لكن القاعدة التي أؤمن بها تقول اعملوا، فكل مسخر لما خلق له. وأول جانب في صياغة الأهداف أن تكون منوعة حسب متطلبات النجاح والسعادة في حياة الإنسان. وأهمها من وجهة نظر شخصية أن تكون لك أهداف روحانية تربطك أيها الإنسان الضعيف بخالقك، فما هي أهدافك الإيمانية لهذا العام إن كنت مقصراً في الصلاة مثلا حدد لنفسك هدفاً قابلا للقياس، كأن تقول سأصلي الصلوات الخمس في يومي، وهي مسألة قابلة للتحقيق والقياس والتطوير فما أجملها من حياة تلك التي لا تنسى مع مشاغلها ربك الذي سيشرح صدرك ويضع عنك وزرك ويعلي من قدرك... ومن الأهداف المهمة في حياتنا البعد الاجتماعي، فالإنسان عاطفي بفطرته وبحاجة إلى من يؤانسه ويواسيه في محنته، ويشاركه فرحته، فكيف تكسب الأصدقاء والأحباء في حياتك هدف رائع قريب المنال. وهناك الهدف الصحي الذي يتلخص في الفحص الدوري، كي تشفى من سقمك وتتجنب مرضك ومنها الأهداف الاقتصادية التي تزيد من دخلك. ولن تحقق تلك الأهداف مع جهلك، فأنت بحاجة إلى الأهداف العقلية التي تزيد من علمك وترفع عند العقلاء قدرك. لو كتبت في بداية هذه السنة سطراً واحداً لكل هدف، وفكرت في سبل تحقيقه وقياسه، فإن حولك القادم سعادة، لا ندم معها... وكل عام وأنتم بخير.