قلة منَّا تنتبه إلى أن عدد المسلمين في دولة آسيوية عظيمة الأهمية كالهند، وهو 180 مليون نسمة، يكاد يقترب من عددهم في إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من ناحية السكان. قلة منَّا كذلك تتابع أخبار هذه «الأقلية» الإسلامية الكثيفة السكان، في دولة ثقافتها وأغلبية سكانها هندوسية، وبين المسلمين والهندوس، منذ انفصال باكستان قبل أكثر من ستة عقود... ما بينهم. لفت نظري بشدة ما ورد في مقال للكاتب الصحفي الأميركي المعروف «توماس فريدمان»، في مقال له بصحيفة الشرق الأوسط. يقول: «أود أن أشير إلى خبر صغير قد لا يلتفت إليه البعض، حيث قام رئيس الوزراء الهندي منذ ثلاثة أسابيع بتعيين سيد آصف إبراهيم مديراً لجهاز المخابرات في الهند ذات الأغلبية الهندوسية مع أنه مسلم، ورغم أن أكبر خطر يهدد البلاد اليوم يأتيها من المتطرفين الإسلاميين». ويضيف فريدمان معلقاً على الخبر فيقول: «إنه حدث جلل في الهند التي هي ثالث أكثر البلدان التي فيها مسلمون، كما أن هذه الخطوة تمثل تطوراً في حركة تمكين الأقليات في الدولة، ويكفي أن نعرف أن رئيس الوزراء ورئيس هيئة الأركان من السيخ، في حين أن وزير الخارجية ورئيس المحكمة العليا من المسلمين. تعيين مسلم لجهاز المخابرات في الهند أشبه ما يكون بتعيين قبطي لهيئة أركان الجيش في مصر». على الصعيد الشعبي، يقول مقال آخر في نفس الصحيفة: «أصبح الحجاب الإسلامي موضة رائجة في الهند». يتعاطف المسلمون الهنود في الموقف العربي من القضية الفلسطينية حيث قاطع الكثير من الهنود التمور المقبلة من إسرائيل. وتعتبر زراعة التمور أحد أهم الأنشطة الرئيسية التي تقوم بها إسرائيل. وقد حثت الكثير من المنظمات الإسلامية والعاملين في الأوساط الإسلامية على مقاطعة هذه التمور مع بداية شهر رمضان الماضي. وكانت التمور مادة أساسية في التجارة البحرية بين الهند والكويت والدول الخليجية العربية الأخرى، ولا تزال التمور محتفظة بمكانتها على الموائد الهندية الإسلامية في رمضان. وكان شهر رمضان السابق، عام 2012 متميزاً في الهند بتداول واستخدام ما سمي بـ«قلم قراءة القرآن»، الذي لاقى رواجاً كبيراً في الهند منذ طرحه في الأسواق قبل شهر من دخول رمضان. وهو قلم يمكنه قراءة الآيات بصوت مرتفع وواضح، وما عليك فعله هو أن تقوم بوضعه على أي صفحة أو آية، ثم تنصت إلى القراءة العربية للقرآن، كما يمكن اختيار قراءة أي من المقرئين المشهورين مثل الشيخ عبدالباسط عبدالصمود والشيخ عبدالرحمن السديس والشيخ علي الحذيفي والشيخ سعد الغامدي. ليس هذا فقط، وإنما يمكنه أيضاً ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الأردية، لغة المسلمين في الهند، واللغة الإنجليزية. ويستطيع المرء أن يتعلم النطق الصحيح للأبجدية العربية مع التجويد بمساعدة هذا القلم، حيث يعد «كتاب التجويد» ميزة أخرى لهذا الجهاز، علماً بأن القلم يمكنه قراءة نسخة القرآن وكتاب التجويد المصاحبين له فقط. حيث إنه، كما جاء في المصحف، متصل بالحبر الخاص المستخدم في الطباعة. وقد أهدى طبيب هندي مسلم من بين الكثيرين هذا القلم إلى حفيده، ودفع 9000 روبية من أجل استيراده من «هونج كونج» نظراً لندرته في الهند وقال إنه «بمساعدة هذا القلم يمكن للمرء قراءة وفهم تعاليم القرآن... لا يوجد ما هو أفضل من هذا القلم لفهم الإسلام». وقالت طالبة طب هندية شابة، «جميع المسلمين الذين يستخدمون هذا القلم في رمضان سيقومون بالدعاء لمن ابتكر هذا القلم السحري». ومن الأخبار التي برزت في شهر يونيو عام 2012 عن مسلمي الهند، أن «جماعة علماء الهند»، «تدعو إلى اتخاذ خطوات تجاه منح النساء حقوقهن». وقد قام «معظم ساجد قاضي حسين أحمد دهلوي» بتأسيس هذه الجماعة سنة 1919. ومن مواقفها التاريخية رفضها تقسيم شبه القارة الهندية في عام 1947. وللجماعة مؤتمر كل ثلاث سنوات لبحث شؤون مسلمي الهند وسبل إصلاح حالهم بالوسائل السلمية، ومن خلال القنوات الدستورية. وتؤيد الجماعة الدستور الهندي ونظام الهند العلماني وتعايش الأديان المختلفة، وترى أن هذا الدستور يشبه قانونياً «صحيفة المدينة»، التي نظمت حياة المسلمين مع غيرهم في زمن الدعوة ما بين عامي 622و624 ميلادية. تدير الجماعة كذلك أكبر عدد من المدارس بالبلاد، وتقود حملة تدعو إلى حصول المرأة على المزيد من الحقوق وتطوير وثيقة الزواج، حيث يقول محمود مدني رئيس الجماعة: طبقاً لقانون دولتنا تنكر على المرأة حقها في وراثة الأرض الزراعية. إن هذا مخالف للمواريث بحسب الشريعة الإسلامية، وينبغي أن يتم تعديل القوانين لضمان حقوق المرأة. كما تمنع المرأة من وراثة والدها أو أن يتم زواجها فيما يعد مخالفة للإسلام. وقال: «إنها وصمة عار على جبين المجتمع الإسلامي الذي ينكر على المرأة الهندية حقوقها. سوف نشكل حركة عبر شبكة المساجد والمدارس من أجل توعية الناس بحقوق المرأة». غير أن «جماعة علماء الهند» بحاجة إلى أن تسد ثغرة واسعة داخلها، قبل الانتقال إلى المجتمع الهندي والمسلمين فيه. فالبعض «يأخذ على دفاع الجماعة عن حقوق المرأة الهندية المسلمة أن الأخيرة مغيبة تماماً عن قراراتها، فهي مثلاً ليست لها أدنى تمثيل في كوادر الجماعة وهيئاتها، وكل ما يتعلق بشأنها يتخذه الذكور بالنيابة عنها. وفي هذا السياق تقول إحدى الناشطات الهنديات المسلمات، لو كانت الجماعة جادة فعلاً في ملامسة مشاكلنا لسعت لأن يكون لنا تمثيل في هيئاتها، ولما استمرت بالأخذ بمبدأ التسلط الذكوري، وتفسير معاني القرآن حول حقوق المرأة تفسيراً يخدم أغراضها». (الاتحاد، 2012/7/16). ومن يقرأ تاريخ التوتر والصدام بين المسلمين والهندوس في الهند، لا يتصور سكوت هؤلاء عن تمويل بعض مصاريف حج المسلمين إلى الديار المقدسة.. على حساب الميزانية الحكومية الهندية! وقد نشرت الصحف في مايو عام 2012 أن «المحكمة العليا الهندية»، أكبر سلطة قضائية في الهند، قد أصدرت قراراً يقضي بمنع سفر الحجاج على نفقة الدولة، وحكمت بأن يتم إلغاؤه بالتدريج. وقد أقرت الإعانات المالية للحج في عام 1974، حينما تعرضت رحلات الحج بالسفن إلى التوقف في أعقاب أزمة النفط. «وقد أخذت الحكومة على عاتقها دفع فرق السفر ثمن السفر جواً في تلك الفترة». (الهند: عوامل النهوض وتحديات الصعود، تحرير محمد عبدالعاطي، مركز الجزيرة للدراسات، بيروت، 2012، ص 56). كما أخبرت الحكومة المحكمة بأنها قررت تحديد سياسة حج المسلمين على نفقة الدولة بمعدل «مرة واحدة في العمر»، بدلاً من السياسة القائمة وهي «مرة كل خمس سنوات». وقالت الحكومة إن من تجاوز سن السبعين سوف يحصلون تلقائياً على تأشيرة الحج، وكذلك من لم يحالفهم الحظ أربع مرات على التوالي في سحب القرعة سيحصلون تلقائياً على التأشيرة ويسافرون على نفقة الدولة. وفي مقال لبراكريتي غوبتا في الشرق الأوسط، أن الحكومة الهندية «أنفقت الملايين طيلة عقود، حيث تقدمُ الهند الدعم لما يزيد على مائة ألف حاج يسافرون سنوياً إلى مكة والمدينة، وتنفق أكثر من 120 مليون دولار كل عام على الحج».