لا يزال مجتمع الإمارات يعيش حالة الذهول والاستغراب بعدما فاجأه خبر القبض على الأطباء الثلاث، ومن بعدهم خلية العشرة، وموقف حكومتهم الإخوانية عبر تصريحات مختلف منتسبيها وقادتها الذين سارعوا مباشرة للإفصاح عن نواياهم السيئة تجاه الدولة. فالمقبوض عليهم منهم من عاش زهاء الثلاثة عقود ينهل من خيرات البلاد التي احتضنته بعدما ضاق به موطنه، وبكل مشاعر الأخوة الإسلامية وشهامتها لم توصد الدولة في وجوههم الأبواب، ولكنها على العكس من ذلك، أفسحت لهم كل مجالات الإبداع، وقدّمت لهم مختلف وأرقى أنواع الرعاية والخدمات، ولم تميز يوماً بينهم وبين مواطنيها، ورعت أبناءهم ميلاداً وتعليماً، وأتاحت أمامهم كل سبل الحياة الرغدة، لكنهم بدلا من أن يشكروا مجتمع الإمارات على ما فعل حاولوا عض اليد التي مدت لهم النعمة، وأساءوا لغيرهم من بني جلدتهم الذين يعملون بالدولة. لقد وقفت الإمارات دون منّ، مع هذه الدولة مواقف تاريخية أنقذت شعبها من كثير من الأزمات، وشقّت الترع والقنوات، وأقامت المدن السكنية والسياحية، وحتى البطاطين التي تجير الشعب شرّ البرد القارس لم تبخل بها الدولة التي ظلت على الدوام منذ تأسيسها تسخر إمكانياتها للأشقاء والأصدقاء، ولا تستثني أي إنسان حينما يتعرض للشدائد والمحن، لأن الأساس الذي بنيت عليه الإمارات هو أساس إنساني متكامل دعا إليه دين الفطرة الذي استمدت منه قوتها واتخذت منه مصدراً رئيساً للتشريع والمعاملة. عقود قضاها هؤلاء المقبوض عليهم يمشون بين الناس في الأسواق، ويدخلون البيوت، ويخالطون المجتمع، لكنهم في الواقع كانوا يحقنونه بسموم أفكار شائهة للدين وأعراف المجتمع، يتلقونها من تنظيمهم الأساسي الذي استغل الإيواء والثقة وحسن المعاملة واختلاط أفراده بالمجتمع، فطمع في ما حباه الله به من قدرات، وأراد الحصول عليها كلها لتنفيذ مآربه الشريرة التي لا تهدف سوى لإقامة دولة الخلافة الإخوانية التي لم ينجح نموذج واحد من نماذجها التي قامت عبر تاريخ النظام الإخواني المتأسلم. وما أن تم القبض على هذه المجموعات الغادرة حتى خرجت القيادات الإخوانية الساخطة تنتقد وتهاجم ناسية كل ما قامت به دولة الإمارات، وناسية أنها حتى الآن لم تقدم سبباً واضحاً لهذا الاستهداف، ولم تقدم نفياً مقنعاً لضلوع منتسبيها فيما نسبته لهم الاتهامات، لكنهم بدلاً من ذلك اعترفوا بانتماء من تم القبض عليهم لعضوية التنظيم، بل قال أحد قادتهم بأن من تم توقيفهم ينتمون لتنظيم الإخوان المتأسلمين ولكنهم كانوا قد قدموا للإمارات من أجل العمل فقط، بينما زعم عصام العريان، نائب رئيس «حزب الحرية والعدالة» وزعيم الأغلبية بمجلس الشورى، والذي عرف دائماً بتصريحاته المثيرة للجدل، أن القضية التي تعرض لها المصريون مفتعلة، لأن المقبوض عليهم يعملون هناك منذ أكثر من 20 عاماً. إذن هو لا ينفي ضلوع التنظيم فيما نسبته الإمارات لموقوفيه، ولا يعتذر عنه أو يخجل منه، أو حتى على الأقل يعد بعدم تكراره، لكنه يحاول الترويج له بمصطلح التحول الديمقراطي ناسياً أن الديمقراطية التي يتحدث عنها كان تنظيمه الإخواني أول من ركلها، فالديمقراطية الحقيقية لا الإخوانية تتمثّل في انصياع المجتمع كله للقانون، والإخوان دائماً يبدأون بخرق القوانين والتّمرّد عليها وهم خارج السلطة، ويبدأون العبث بها ومواجهتها ومحاولة تغييرها وليّ عنقها لتتوافق مع مآربهم لا مصالح المجتمعات، ولا تحقيقاً للشعارات، عندما يعتلون سدة الحكم، وما شهدته الدول الإخوانية دون تمييز هو البعد الكامل عن الديمقراطية ومحاربة الحريات العامة، والتضييق على معارضيهم وانتهاك كافة الحريات بما فيها حرية التعبير، فقانون الصحافة والنشر حتى الآن هو النقطة الأكثر إثارة للجدل في معظم الدول الإخوانية، وما يسمونه التحول الديمقراطي هو تحول نحو الديمقراطية الإخوانية، ففي المفهوم الإخواني تعني الديمقراطية تسلّط الأقلية المنظمة على غالبية أفراد الشعب، وهي ديمقراطية تجلّت كل صورها القبيحة في مختلف الدول التي ينشط فيها الإخوان ويحتمون بالغطاء القانوني الذي يحاربونه في تناقض واضح من تناقضاتهم التي لا تسعها سطور الدنيا مجتمعة. ومما لا شك فيه أن الخلية الإخوانية التي ألقت الإمارات القبض عليها، خالفت قوانين الدولة، فهي قد تعاهدت مع المجتمع عندما استضافها وهيأ لها الإقامة المريحة، وعبر عقود العمل الواضحة التي لا تقبل الجدل والتأويل أن يكون وجودهم مقتصراً على العمل، وأن يمارسوا حياتهم دون التعدّي على حياة وأفكار وخصوصية الآخرين، لكنهم ورغم توقيعهم على هذه العقود الواضحة، كانوا يقومون بالعمل للتنظيم في أماكن عملهم، ويحاولون النفاذ للمجتمع بأفكار إخوانية تخرجه عن دينه القويم المعافى، إلى الدعوة الإخوانية التي لا تعرف من الدين غير الشعارات والمظاهر، فالإسلام الإخواني إسلام شعاري إكسسواري بحت، لأن ارتداء الملابس المحاكة بأطوال معينة وإطلاق اللحى أو تغطية الرأس والوجه، أهم في عرفهم من الصلاة والصيام والعدل وصفاء النوايا، والشعارات المرفوعة تدعو لدين الإخوان الذي أخذ من الإسلام ما يتوافق مع طموحات قادته الفردية، وجنّدوا علماء النفاق للي عنق النصوص الدينية التي تحد من طموحاتهم وتقف في طريقها. وما قام به الإخوان المتأسلمون في الإمارات لا يخفى، فالتغرير ببعض أفراد المجتمع، ودعمهم بالأموال والتدريبات المختلفة، ومساعدتهم على بناء تنظيم سياسي وآخر عسكري، وتأليبهم على مجتمعاتهم وقادتهم، وغير ذلك من الحقائق المريرة التي كشفت عنها التحقيقات، كلها أدلة دامغة على ما قاموا به من تأثير سلبي لو صبرت عليه الدولة أكثر فإنه سيشكل تهديداً لنهضتها وتماسك وخصوصية مجتمعها، لاسيما وأنها رأت بأم عينيها ما فعله ولا يزال يفعله هذا التنظيم الإخواني المتأسلم في كل مكان وطأته أقدامه.