تجمع بين الهند وروسيا علاقة تعود إلى زمن الحرب الباردة عندما كانت روسيا تمثل أقرب حليف للهند؛ حيث قامت روسيا بتزويد الهند بمفاعلات الطاقة النووية ومعدات الدفاع في وقت لم يكن فيه أي بلد غربي آخر يرغب في منح الهند مثل هذه المعدات أو الخبرة التكنولوجية. غير أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بدأت الهند تنظر نحو الغرب على غرار روسيا التي اعتقدت أن مستقبلها مربوط بالغرب. ولكن الآن ومع تحول التركيز والتوازن إلى آسيا التي باتت تتمتع فيها بلدان بمعدلات نمو مرتفعة، أخذت موسكو تنظر نحو الهند من جديد. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قام بزيارة إلى الهند الأسبوع الماضي من أجل المشاركة في القمة الهندية- الروسية. ورغم أن العلاقات بين البلدين لن تعود أبداً إلى ما كانت عليه خلال زمن الحرب الباردة، فإنه مما لا شك فيه أن روسيا تسعى جاهدة إلى استرجاع الأرضية التي خسرتها خلال السنوات القليلة الماضية للبلدان الغربية ولاسيما الولايات المتحدة. زيارة بوتين مثلت محاولة من قبل موسكو للقيام بذلك. فبعد المحادثات التي أجراها هذا الأخير مع رئيس الوزراء الهندي مانموهان سنج، وقع البلدان عقوداً تبلغ قيمتها 3 مليارات دولار وتتعلق بتسليم 71 طائرة هيلكوبتر وبتوريد معدات تكنولوجية لـ 42 طائرة سوخوي من قبل روسيا. كما وقع الجانبان عشر اتفاقيات أخرى تتعلق بتشجيع الاستثمارات المباشرة في مجال العلوم والتكنولوجيا وثلاثة عقود تجارية بين شركات روسية وهندية من بينها واحدة تتعلق بصناعة طائرات الهيلكوبتر. ومما لا شك فيه أن الزيارة أعادت بعض الزخم إلى العلاقات الهندية- الروسية؛ إلا أن الواقع الميداني يشير إلى أن الهند وروسيا لن تستطيعا أبداً العودة إلى الزمن الجميل للتعاون الثنائي، وإن كانت موسكو مازالت تشدد على أن لديها علاقة خاصة ومميزة مع نيودلهي لا تضاهيها أي علاقة أخرى. غير أنه في هذه المرة نجح بوتين في الحصول على بعض التطمينات من رئيس الوزراء الهندي الذي تحدث عن صعود روسيا كشريك أساسي في الجهود الهندية الرامية إلى تحديث قواتها المسلحة وتحسين جاهزيتها الدفاعية. والواقع أن الدفاع مازال يمثل أقوى مجال للتعاون بين الهند وروسيا. ولكن رغم أن 60 في المئة من احتياجات الهند العسكرية تأتي من روسيا، إلا أن هذا الأمر أخذ يتغير تدريجياً؛ حيث خسرت روسيا مؤخراً في بعض صفقات الدفاع المهمة مثل صفقة تزويد القوات الجوية الهندية بـ126 مقاتلة نفاثة، والتي كانت من نصيب مجموعة شركات أوروبية. ورغم كونها أكبر بائع للهند في مجال الدفاع، فإن روسيا أخذت تواجه منافسة شرسة من إسرائيل والولايات المتحدة في وقت تسعى فيه نيودلهي إلى تنويع مقتنياتها الدفاعية بدلا من المراهنة على بلد واحد فقط. ومن جانبها، مازالت موسكو قلقة بسبب العلاقات المتزايدة بين الهند والولايات المتحدة. ومن بين المجالات الأخرى التي كان لدى روسيا فيها شبه احتكار، ولكنها باتت اليوم تواجه فيها منافسة متزايدة هناك مجال التعاون النووي؛ حيث وقعت الهند اتفاقية تعاون نووي مدني مع الولايات المتحدة، وتبحث إمكانية توسيع برنامجها للطاقة النووية، الذي كان مدعوماً من روسيا فقط في الماضي. ورغم أن موسكو حصلت بالفعل على بعض التطمينات بخصوص تعميق العلاقات الهندية- الروسية، فإن ثمة بعض المواضيع التي لم يتمكن الجانبان من حل خلافاتهما حولها. فموضوع قانون المسؤولية الهندي الجديد، الذي يضع شروطاً صارمة على موردي المعدات النووية في حال حادث نووي، يمثل مشكلة لم يتمكن الجانبان من حلها، حيث تلح روسيا على أن الطريقة الوحيدة للتعويض عن قانون المسؤولية تكمن في زيادة كلفة المفاعلات النووية بثلاث إلى أربع مرات. ويشار هنا إلى أن الهند وروسيا أكملتا بناء المفاعلين بمحطة الطاقة النووية في ولاية «تاميل نادو» الواقعة جنوب البلاد؛ ولكن المفاوضات حول المفاعلين الآخرين علقت بسبب خلافات حول موضوع السعر. إلغاء تراخيص الاتصالات الـ21 لشركة «سيستيما» الروسية، والتي تعد جزءاً من عدد أكبر من التراخيص التي ألغتها المحكمة العليا الهندية في فبراير العام الماضي بسبب اختلالات وخروقات في عملية منح الصفقة، هو مجال خلاف آخر بين البلدين. ويُشار هنا إلى أن الإلغاء كان من تداعيات فضيحة فساد في قطاع الاتصالات. وتجادل موسكو بأنه لا ينبغي معاقبة الشركة عن اختلالات حدثت في الهند وتقول بوضوح إنها تعتبر الخلاف برمته موضوعاً سياسياً، وليس قضائياً. ولكن الهند تشدد على أن الأمر يتعلق بموضوع قضائي. ثم هناك أيضاً بواعث قلق هندية متزايدة بسبب التأخر في تسليم حاملة طائرة بقيمة 2?3 مليار دولار تسمى «الأميرال جورشكوف»، والتي كانت قد بنيت في الأصل لحساب البحرية الروسية. فقد كانت الهند تأمل أن تدخل حاملة الطائرات الروسية الخدمة وتعزز أسطولها البحري في 2008، ولكن عملية تطوير السفينة وتحسينها عرفت الكثير من التأخير، وارتفاع الكلفة الناتج عن ذلك. ومن الأمور التي تشغل بال نيودلهي أيضاً، هناك انخراط روسيا المتزايد مع باكستان خلال الأشهر القليلة الماضية حيث يثير ذلك مشاعر قلق واستياء في الهند. ورغم أن موسكو هدأت من هذه المخاوف شيئاً ما بعد أن تعهدت بعدم بيع أي شيء لأي بلد قد يستعمله ضد الهند، فإن خبراء شؤون الدفاع في الهند متحفظون في قبول مثل هذه التطمينات. ومما لا شك فيه أن الأمور تغيرت منذ أيام الحرب الباردة، إلا أنه رغم المنغصات، فالأكيد أن العلاقات الهندية الروسية مازالت تحافظ على بعض من سحرها القديم مثلما أظهرت ذلك زيارة بوتين وصفقة الدفاع التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات وتم التوقيع عليها خلال هذه الزيارة.