«أشكرك كثيراً. نحن نحتاج إلى أناس يفكرون أكثر مما يتكلمون. أرجو لك عاماً سعيداً، وليباركك الله». هذه التحية، التي بعثها قارئ عزيز لا أملك أن أبوح باسمه، مِسكُ الختام لعام 2012 الذي تكلمنا فيه أكثر مما فَكّرنا، وهي أفضل تحية للعام الجديد الذي لن يسمعنا فيه كثير من الناس إلا إذا فَكرنا. وأول أسباب التفكير هو هل نتفاءل أم نتشاءم بعام يحتوي الرقم 13؟ المتفائل في كلا الحالين يجد في أسوأ ما يحدث أحسن ما يحدث، والمتشائم بالعكس. وقد نجد بعد التفكير أحسن الاقتصاد العالمي يواجه العام الجديد بأسوأ التوقعات، وأسوأ الاقتصاد العالمي يواجه العام الجديد بأحسن التوقعات. وفيما يلي أسماء دول أحسن التوقعات: إندونسيا، وتركيا، وكوريا الجنوبية، وإيران، وفيتنام، وبنجلاديش، ونيجيريا، والمكسيك، وباكستان، والفلبين، ومصر (أجل مصر)، ضمن دول النمو الجديدة، أو ما تسمى «مجموعة 11». ذكر ذلك جيم أونيل، رئيس الموجودات في المجموعة المصرفية الاستثمارية الأميركية «جولدمان ساش». ويتابع أونيل في كتابه الصادر حديثاً بالإنجليزية، «خريطة النمو»، صعود «مجموعة 11» في إثر بلدان «بريك» التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين. ويعتقد أونيل، الذي اشتهر بوضع مصطلح «بريك» من الحروف الأولى لأسماء هذه الدول، أن مصطلحه الجديد «مجموعة 11» يؤشر إلى بلدان تجمع بين «التركيبة السكانية المناسبة، وزخم الإنتاجية للنمو بسرعة أعلى من المعدل العالمي. وهي تملك أيضاً بيئة النمو المميزة لمعظم الاقتصادات الصاعدة، والهياكل الارتكازية المالية، وحجم وعمق السوق المطلوبة من قبل المستثمرين العالميين. وهم يقدمون فرصاً كثيرة مختلفة للسيولة الاستثمارية». ويطمئن أونيل المستثمرين الدوليين إلى «تحديد أهمية اقتصادات النمو، واستبعاد الخوف من الدخول في أعمال مع هذه البلدان والاستثمار فيها». ويقدم مفهومُه عن «أسواق النمو» أبسط طريقة لاستعراض قوة المجموعتين، والنظر في «نمو مجموع إجمالي منتوجها المحلي ما بين 2010 و2019 إلى نحو 16 تريليون دولار، ويعادل هذا ما بين أربع وخمس مرات الزيادة في الولايات المتحدة». ثلاثة أرباع الزيادة على الأقل قد تأتي من بلدان «بريك»، ونحو نصفها من الصين. ويلاحظ التركيز على ظاهرة ارتفاع عدد أصحاب المليارات في الصين وتجاهل تحرير 300 مليون صيني من الفقر خلال 25 عاماً الماضية. ويذكر أن الباحيثن في «جولدمان ساش» يتوقعون انتقال ملياري إنسان في بلدان «بريكس» و«مجموعة 11» إلى مرتبة الطبقات الوسطى مع حلول عام 2030. ويؤشر «الربيع العربي»، حسب تقدير أونيل إلى احتمال حدوث ذلك في منطقة الشرق الأوسط أيضاً. وينتقد الباحث مشاعر الخوف التي تساور البلدان الغنية من صعود هذه البلدان. فتحقيق «أهداف بلدان هاتين المجموعتين سيكون أمراً جيداً للعالم وجيداً لنا». وقد تُعتبر مصر ونيجيريا والفلبين «بلداناً خطرة، وغامضة، وقد تكون أبعد كثيراً عن توقعات المستثمرين حالياً، إلا أن تحقيق هذه البلدان نجاحات اقتصادية يمكن أن يكون أمراً مبهراً لنا جميعاً». وإذا كانت «السنوات تعلمنا كثيراً ما لا تعرفه الأيام قطُّ»، حسب الفيلسوف الأميركي أمرسون، فالقرون تعلمنا ما لا تعرفه السنوات قطُّ. وقد تعلمنا ما بين القرنين الماضيين مصير ما يسمى نظرية «براز الخيل». في عام 1900 كانت وسيلة النقل الرئيسية الخيل، وبلغ عددها في نيويورك وحدها 100 ألف حصان، تُخِّلف نحو مليوني كيلوجرام من البراز في الشوارع التي تهوّم فيها غيوم الذباب. وتوقعت آنذاك صحيفة «تايمز» أن يغطي براز الخيل شوارع لندن إلى ارتفاع 9 أقدام في منتصف القرن العشرين. ولم ينتبه إلى قوة «التنظيف» التاريخية التي ستطلقها الثورة التكنولوجية سوى الفيلسوف ماركس. ولا تزال تعشش في العقل الباطن للغرب أفكار الاقتصادي البريطاني توماس مالتوس، الذي توقع أن تؤدي زيادة سكان الأرض، ومحدودية الموارد، إلى أوبئة ومجاعات وحروب تقضي على حياة الملايين وتعيد التوازن بين الموارد والسكان. وكثرة السكان هي في الواقع أهم أسباب نمو بلدان «بريكس» و«مجموعة 11» التي يسكنها 4 مليارات إنسان، أي ثلثا سكان العالم. ويذّكر أونيل بأن تفوق الولايات المتحدة على أوروبا يعود إلى زيادة عدد سكانها من 200 مليون في السبعينيات إلى 300 مليون حالياً. و«العالم المزدهر» عنوان ملف خاص عن بلدان اقتصادات النمو نشرته صحيفة «جارديان»، وفيه توقعت مراكز البحوث العالمية أن يتخطى الاقتصاد التركي إيطاليا عام 2050، وأن تحتل تركيا أحد مراكز الصدارة في الاقتصاد الأوروبي، وتتقدم إندونيسيا والمكسيك على ألمانيا وبريطانيا. وأفرد الملف صفحات خاصة بالقارة الأفريقية التي تعتبر حالياً من أكبر عشرة مراكز عالمية بإجمالي منتوجها المحلي البالغ تريليوني دولار، وتضاهي بذلك روسيا. وإذا استمر مسار أفريقيا بوتيرته الصاعدة منذ ثلاثين سنة فسيصبح إجمالي منتوجها المحلي 29 تريليون دولار عام 2050 ويعادل هذا إجمالي المنتوج المحلي الحالي للولايات المتحدة والمنطقة الأوروبية مجتمعين. وفي تقرير عنوانه «الأناقة الراقية وغطاء الرأس»، يرصد مراسل «جارديان» في اسطنبول ظهور «الطبقة البرجوازية المسلمة». أفراد هذه الطبقة «يملكون المال للإنفاق والفرص للقيام بذلك: أحياء فاخرة، وبوتيكات، ومطاعم، وفنادق، ونوادي رياضية... جميعها تخدم طراز حياة أكثر تقوى ينتشر عبر المراكز العمرانية». وتُنكر رئيسة تحرير مجلة «أزياء نسائية إسلامية» اتهامات العلمانيين ضدها بالمتاجرة بالإسلام، مؤكدة: «نحن لا نصدر فتاوى، ولا نكسر قواعد الإسلام»، وتتساءل: «لماذا لا يحق للمرأة المسلمة المحافِظة ارتداء أزياء لطيفة»؟ والتفاؤل بالعام الجديد بحجم ملايين الأطفال الذين اكتشف العالم أخيراً أنهم لا يموتون. عدد وفيات أطفال بنجلاديش في أعمار دون الخامسة انخفض بنسبة الثلثين بين عامي 1990 و2010، وانخفض بمعدلات مقاربة عدد وفيات الأطفال في السلفادور، والصين، وعُمان، والبرتغال، ومالاوي، وسيراليون، ولاووس، ونيكاراجوا. تحقق ذلك عن طريق برامج غير مكلفة متوافرة منذ ثمانينيات القرن الماضي، كالأمصال، والمضافات الغذائية، والتخطيط الأُسَري، والأملاح المضادة للأسهال، وشبكة الأسرة للوقاية من البعوض، والنظافة الصحية، والمياه النقية. كشف ذلك تقرير «العبء العالمي للأمراض» الذي أشرف على وضعه «معهد واشنطن للقياسات والتقييمات الصحية» وشارك في إعداده 486 باحثاً، بينهم عرب ومسلمون. وأفردت المجلة الطبية «لانست» Lancet لأول مرة في تاريخها عددها بالكامل لنشر التقرير الذي يمكن قراءته مجاناً في موقع المجلة على الإنترنت. وتفاءلوا بالخير في عام 2013، وإن لم نجده فلنتفاءل بالعام الهجري 1434، ولا يخيب تفاؤل المهاجرين الذين خلّفوا وراءهم متع الحياة الدنيا.