ليس باستطاعة أي إماراتي أو من يعيش في الإمارات أن يكتم دهشته وحزنه عندما يقرأ في الصحف المحلية خبر إلقاء السلطات الأمنية القبض على خلية منظمة من «الفئة الضالة» تضم مواطنين من دولة الإمارات ومن المملكة العربية السعودية كانت تخطط لتنفيذ أعمال إرهابية في كلا البلدين وبعض الدول الأخرى. وما يخفف من وطأة تلك الدهشة استفاقة الأجهزة المختصة والتي نجحت في صد تلك الجماعات أكثر من مرة ومنع تحقيق نواياهم في الإضرار بالدولة وفي كشف المخطط وبالتالي إلقاء القبض عليهم وإحالتهم إلى الجهات القضائية. هذه هي المرة الثانية التي يتم فيها اعتقال مجموعة من «الفئة الضالة»، وهو مصطلح يطلق على من ينتمون إلى تيار «الإخوان المسملين». الإضرار بالدولة ليس هو محل الاستغراب باعتبار أن أن هناك من لا يريد ازدهاراً للإمارات ولا يتمنى خيراً لشعبها؛ لأن الإمارات مستهدفة في تنميتها وفي نجاحها الاقتصادي والسياسي وهذا أمر متوقع بل وموجود بين الدول، وإنما محل الاستغراب أن يكون مواطنون إماراتيون يفترض أن يحافظوا على دولتهم هم من يخططون لتنفيذ عمليات تضر بالدولة، والأكثر غرابة أن يكون هناك إصرار على الإضرار، رغم أنه لا يوجد مبرر لذلك؛ سوى العبث والتخريب من منطلق الحقد فقط. الإمارات حولت هذا التحدي الأبرز خلال عام 2012 إلى فرصة فحققت مجموعة من الأشياء على رأسها ذلك الالتفاف الشعبي الكبير حول قيادتها السياسية وتكاتف المواطنين مع القيادة، حيث أعلنت كل الجهات الوطنية رفضها لسلوكيات منتمي جماعة «الإخوان» ومحاولاتهم في استثمار وصول الجماعة في بعض الدول العربية إلى السلطة في تقوية موقفهم السياسي في دول الخليج، وفي الإمارات على وجه الخصوص، مع أن الأمر في البلدان الخليجية مختلف عن الدول العربية من حيث التعامل. ومن الناحية الإعلامية، فقد استنفرت هذه القضية وسائل الإعلام المحلية واستفزت قدرات الكتاب الإماراتيين وجعلتهم يتناولون الموضوع كل من جانبه، بل وعقدت لها ورش عمل فُضحت خلالها أيديولوجية الفكر الإخواني الإقصائي الذي يسيء للأوطان والمواطنين لمصلحة الجماعة. بمعنى أن عبث «الإخوان المسلمين» في الإمارات ساهم في وصول معلومات شبه كاملة إلى الرأي العام بطريقة كشفتهم كلياً. كما ساهم هذا التحدي بأن تكون أسلحتهم سبب مقتلهم عندما استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي في خداع الناس، لكن حجم الفضائح خاصة ذلك المقطع من الفيديو المشهور الذي تمت فبركته في العاصمة السويسرية جنيف، فرغم قصره إلا أنه فضح الكثير ووضح حقيقة نواياهم، وفي المقابل توج العالم المتحضر مواقفه بأن اختار الإمارات لتكون عضواً في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. واضح اليوم أنه بمجرد ذكر اسم «الإخوان المسلمين» أمام أي إماراتي يمكنك ملاحظة حالة الاشمئزاز والتقزز، ليس بسبب الاسم، ولكن الذاكرة التي تسترجع معه الكثير من السلوكيات التي تسيء للأوطان. دور الإمارات كدولة كان واضحاً، وهو الوقوف لهم بالمرصاد لأنه لا يمكن السماح لكل من تسول له نفسه الإساءة إلى استقرارها ولا يمكن بالتالي أن تتخلى عن أحد أدوارها وهو حماية الوطن وأفراد مجتمعها من العبث. الغريب في الأمر أنه في الوقت الذي يتقاطر فيه الناس على الإمارات بحثاً عن الأمن والأمان وسعياً إلى بيئة تزخر بعوامل النجاح، نجد أن ثلة من أبنائها (أو من يفترض أنهم كذلك) يجتهدون من أجل الإضرار بها، غير مدركين أن الفوضى لن تستثنيهم بل ستطالهم وتطال أبناءهم، سواء أكان ذلك عبر سلوكيات معينة أو من خلال مشاركة مَن لا يحمل وداً للإمارات، لأن النتيجة في النهاية واحدة. يفترض أن ينشغل مواطنو الإمارات كلهم بالحفاظ على الاستقرار وصيانة المكاسب، والأمر كذلك بالنسبة لأبناء دول مجلس التعاون، وليس المساعدة في تخريب ما تم تشييده من إنجازات ونجاحات. إن السبب الرئيس للنجاح التنموي الخليجي يتمثل في الاستقرار السياسي حيث تتوافر بيئة العمل والإنتاج، وفي هذا الخصوص ينبغي أن نقارن بين أوضاعنا الجميلة وما نراه في الدول الأخرى. والمعروف عن الإمارات أنها تتميز بفلسفة للتعامل قد لا نجدها في أرقى الدول الديمقراطية. قبل أسبوع من الآن قال لي شخص كان يزور الولايات المتحدة الأميركية إنه عندما كان الناس هناك يعرفون أنه إماراتي كانوا يبدون إعجابهم بما سمعوا عنها من ناحية التقدم وأسلوب العيش فيها وأنهم يرغبون بزيارتها وهم يخططون لأن يحصل ذلك يوماً ما. هذه الصورة التي تواجدت في خيال أناس لم يروا الإمارات على حقيقتها، رسّختها فلسفة سياسية غير موجودة في الكثير من الدول... هي مما يزرع الحيرة حول دواعي الثلة القليلة من الإماراتيين كي يسعوا في طريق التخريب، رغم أنهم من أبناء الدولة. لكن الثابت أن أحلامهم التخريبية وتكتيكاتهم لم ولن تتحقق بإذن الله لسببين: السبب الأول؛ يقظة الأجهزة الأمنية الإماراتية التي استطاعت أن تفشل مخططاتهم لأكثر من مرة. والسبب الثاني؛ وجود رأي عام إماراتي يعي ما ينوون فعله ويرى ما يحدث في الأرض المصرية فيدرك بالتالي أهداف «الجماعة». كما أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبطبيعتها الخاصة التي تقوم على الاهتمام بتفاصيل حياة المواطن مهما كانت بسيطة، تمثل حائط صد منيع ضد أي محاولات تخريبية. لقد اتضح لنا خلال عام 2012، والذي اعتبره البعض عام «الإخوان»، أن ما يهم هذه الجماعة هو زعزعة استقرار المجتمعات، مع إعطاء أولوية مطلقة لمصلحة الجماعة على مصالح الدول والأوطان. كما اتضح أيضاً أنهم عبارة عن أيادي يتم تحريكها من الخارج، مع استخدام شعارات تدغدغ الرأي العام وتحاول خداعه.