البعض يساوم على خفوت وتيرة مطالب الإصلاح التي أتى بها «الربيع العربي»، والبعض الآخر يرى أنها مرحلة جديدة تفرض نفسها ولابد من التعايش معها. الدول الغربية تشعر بضرورة الإصلاح باعتباره الطريق نحو القضاء على العنف الذي تبلور في أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فهذه الدول ترى في تنامي الإحباط وزيادة التهميش، مصدراً لتنامي العنف الذي خرج في صيغة عالمية تجسدت في تفجيرات 11 سبتمبر وغيرها، لذلك فقد أوضحت أن موضوع الإصلاح يشكل أحد أهم المطالب في مواجهة تنامي العنف الذي يتحول إلى شكل من أشكال المواجهة الحضارية. لكن الدول العربية، كمصر وتونس، مازالت تعيش مخاضها، حيث انهارت ركائز الدولة، والتي سيستغرق بناؤها وقتاً غير قصير. الحركات الإسلامية تحاول إثبات نفسها وسط واقع مجهد ومنهك منذ عقود طويلة. والتحول العربي ليس وليد مؤامرة، كما يروج البعض، فهو حقيقة تعكس طبيعة التغير في عقل الإنسان وسلوكه، وهذه حقيقة مرجعها تزايد الاستفراد والتهميش وارتفاع نسب الفساد من جهة، ومن جهة أخرى ترابط العالم وتطور التقنية الحديثة مما فتح آفاقاً جديدة للتعبير لا تخضع لسيطرة الحكومات، الأمر الذي وفّر الفرصة لمعرفة الكثير مما هو خفي على المواطن العادي وفتح أمامه شراكة جديدة تدفعه نحو الشعور بالذات والمطالبة بالاحترام. الغرب يتخوف من تزايد العنف، ويرى في منطقة الشرق الأوسط مصدراً كبيراً للعنف، ويعتقد أن العالم لن يعيش بسلام طالما وجَدَ العنفُ أرضيتَه الخصبة. لكن السؤال الذي يطرحه الغرب: كيف نحمي مصالحنا؟ لا اختلاف على فكرة تبادل المصالح، فهي حقيقة سياسية لا يمكن تجاهلها، كما لا يمكن التستر على أن ممارسة العنف في البلاد العربية تمثل مأزقاً كبيراً، لاسيما بعد أن أخذ العنف شكل موجات معولمة تخرج من الدائرة العربية إلى العالمية، مما يتطلب إيجاد أرضية جديدة للحد من العنف. فالمصلحة المتبادلة والضامنة للمصالح الأخرى تتجسد اليوم في الحد من الاستفراد والتهميش وفتح مجالات المشاركة للشباب في صنع قرارات حياتهم. الغرب انتهج النصيحة لحلفائه، لكنها لم تكن مجدية وثبت عدم نجاحها في مصر مبارك. واليوم نحن أمام تحولات جديدة يعيشها العرب والمسلمون، وهم رقم لا يمكن تجاهله، مما يتطلب نمط تفكير مختلف عما سبقه، كما يتطلب شجاعة في وضع رؤية جديدة تعيد التوازن المفقود في العلاقات داخل الدول العربية. العالم يدفع كلفة العنف الذي جاء بأحداث11 سبتمبر، حيث تبنّى ترتيبات جديدة وباهظة للحد من العنف، لكن من الواضح أن المواجهات الأمنية لم تستأصل العنف، وأن تجفيف منابعه لا يمكن أن يتم إلا من خلال مصالحات وطنية، وهذه المصالحات تحتاج إلى تنازلات متبادلة ومبادرات شجاعة تحصن المجتمع من أي تغيير ذي طابع عنفي. ولعل المبادرة من الحكومات يمكن أن تحمي المجتمعات من دخول سلسلة من المواجهات، كما تقلل من نسب الخسارة، خصوصاً إذا ما أدركت السلطة أن سياسة التهميش تأتي بثمار غير سارة. التغير في المنطقة العربية بحاجة إلى تفهم من الغرب وإلى إعادة قراءة خريطة التحالفات، خصوصاً في الحالة السورية حيث يتضح أن ما بعد سوريا يثير الكثير من التساؤلات التي نتمنى أن تُدرك بعناية فائقة.