تحقق بعض دول مجلس التعاون الخليجي المزيد من التقدم الهادف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على العائدات النفطية، سواء في تمويل الموازنات السنوية أو برامج التنمية، والتي لا تزال تعتمد بصورة كبيرة على عائدات النفط. وتشكل تجربة دبي والإمارات بشكل عام في هذا الصدد نموذجاً لكيفية تسخير عائدات النفط لتطوير القطاعات غير النفطية لإيجاد مصادر بديلة لتمويل الموازنة السنوية، ففي عقدي الثمانينيات والتسعينيات بلغ إنتاج النفط في دبي أوجه ليبلغ 450 ألف برميل يومياً، إلا أن الاحتياطيات المكتشفة كانت محدودة، مما يعني أن عمر النفط في الإمارة قصير جداً. من هنا انصب التفكير لدى متخذ القرار على ضرورة الإسراع في استخدام العائدات النفطية بصورة فعالة لتنمية القطاعات غير النفطية، حيث اكتسى النجاح الذي تحقق طابعاً عالمياً وأضحى نموذجاً للبلدان النامية المنتجة للنفط. وبعد أن كانت حصة النفط في تمويل ميزانية الإمارة تتراوح ما بين 70و80 في المئة في بداية التسعينيات وشكل النفط النسبة العظمى من الناتج المحلي الإجمالي، فإن الصورة مع نهاية العقد الأول من القرن الحالي تغيرت تماماً، إذ أصبح تمويل الموازنة السنوية يعتمد على موارد غير نفطية تتحقق من خلال الدخل الناجم عن قطاعات رئيسية، كالتجارة والخدمات المالية والسياحة والنقل، وبالأخص طيران الإمارات، حيث يساهم قطاع السياحة والنقل بنسبة 30 في المئة من الناتج المحلي، في حين يساهم ميناء جبل علي ومنطقته الحرة بنسبة 20 في المئة. أما حصة النفط في الناتج المحلي الإجمالي، فقد تدنت إلى 5 في المئة، في الوقت الذي ارتفعت فيه مستويات المعيشة للمواطنين والمقيمين، بما في ذلك ارتفاع كبير في الرواتب والأجور وتحسن البنية التحتية والخدمات التي تتمتع بمواصفات عالمية. وإذا ما أضيف إلى ذلك التنوع الذي حققته الإمارات الأخرى، وبالأخص أبوظبي الغنية بالنفط والشارقة، فإن هذا التنوع ساهم في إحداث تغيرات مهمة في الاقتصاد الإماراتي ككل، وذلك باتجاه زيادة القيمة المضافة للقطاعات غير النفطية. ومؤخراً أعلنت دولة قطر عن توجه استراتيجي مماثل ومهم للمستقبل الاقتصادي لبلد يتمتع بغزارة إنتاجه من الغاز الطبيعي، حيث تم وضع تصور مستقبلي يرمي إلى إصدار موازنة سنوية دون الاعتماد على النفط بحلول عام 2022، وهو عام إقامة المونديال في الدوحة، والذي خصصت له استثمارات هائلة تتجاوز 80 مليار دولار، مما سيساهم في خدمة هذا التوجه القطري الجريء والذي يعني الاستقرار الاقتصادي والسياسي والمحافظة على مستويات معيشية مرتفعة دون الاعتماد على الثروة النفطية الناضبة، حيث يمكن لقطر الاستفادة من التجربة الإماراتية التي سبقتها نحو هذا التوجه الاستراتيجي والذي يتناسب مع التغيرات الهائلة في صناعة الطاقة العالمية وتطوير مصادر الطاقة البديلة من جهة والتغيرات الاقتصادية العالمية المتسارعة من جهة أخرى. وضمن البوادر التي تدعو للتفاؤل بإمكانية تحقيق ذلك أيضاً هو معدل النمو السنوي المرتفع الذي يحققه الاقتصاد القطري سنوياً، هذا عدا النمو المتسارع للعديد من القطاعات غير النفطية، وخصوصاً الصناعات التحويلية والخدمات المالية والنقل والسياحة. والحقيقة أن هناك عوامل مساعدة ومهمة للغاية تتيح لكافة دول المجلس تنويع اقتصاداتها في السنوات القادمة والتي يأتي في مقدمتها التكامل الاقتصادي في نطاق مجلس التعاون والسوق الخليجية المشتركة والتي تعتبر كبيرة نسبياً وتفسح المجال أمام تنمية العديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية، وبالأخص للأسواق الخليجية الصغيرة. واذا ما تحقق ذلك خلال العقد الحالي، فإن التوقعات التي تشير الى تحول الاقتصاد الخليجي الموحد الى أحد أكبر ستة اقتصادات في العالم في عام 2025 له ما يبرره من الناحية العملية والموضوعية، خصوصاً وأن دول المجلس تملك كافة عوامل نجاح هذا التوجه الاستراتيجي، ذي الأبعاد الاقتصادية والسياسة والاجتماعية المؤثرة.