مع اقتراب العام من نهايته لاشك أن كلاً منا يتلقى العديد من الرسائل بالبريد الإلكتروني أو غيره تطلب منه التبرع لأغراض خيرية وإنسانية. ويكون السؤال الذي يواجه أياً منا في هذه الحالة هو: إلى أي جمعية أو منظمة خيرية ينبغي أن نعطي تبرعاتنا؟ ولماذا؟ هل نمنح تلك التبرعات لدار عبادة... أم للمدرسة التي كنا ندرس فيها أم لكليتنا؟ أم نمنحها لمؤسسة للبحث العلمي أو لمؤسسة أدبية، أو فنية وما إلى ذلك؟ إجابتي على الأسئلة السابقة كلها هي بالنفي؛ ذلك أننا لو نظرنا للفارق الضخم في مستوى حياة الغالبية العظمى من الأميركيين، ومستوى حياة الفئات الأكثر فقراً من سكان العالم؛ فإننا سندرك أن خير ما نفعله هو أن نمنح تبرعاتنا للشرائح الأكثر فقراً في الدول الأخرى، التي تعاني من مشكلات اقتصادية عويصة لأن الدولارات التي نتبرع بها ستكون قيمتها حينئذ أعلى من قيمتها فيما إذا ما وجهت لجهة داخل أميركا وخصوصاً إذا ما بذل المتبرعون الجهد لضمان وصول تبرعاتهم إلى الشرائح الأكثر فقراً واحتياجاً. وحالات الفقر القصوى معرّفة من قبل البنك الدولي، بأنها تنطبق على حال الأشخاص الذين يعيشون على دخل يقل عن دولار وربع في اليوم. وهؤلاء الأشخاص الذين يعيشون على هذا الدخل الضئيل يبذلون قصارى جهدهم لمغالبة الحياة، ولكن ليست أمامهم فرصة حقيقية للهروب من فخ الفقر الذي ولدوا فيه. فمتوسط أعمار تلك الشريحة الضخمة من البشر على سبيل المثال يقل عن متوسط أعمار الناس في الولايات المتحدة بما يقرب من ثلاثين عاماً، كما أن أطفالها يموتون بسبب أمراض مثل الإسهال والحصبة والملاريا وهي أمراض لم تعد تقتل الناس في الدول المتقدمة. وتقدر إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» أن ما يقرب من 8 ملايين طفل يموتون سنوياً بسبب أمراض مرتبطة بالفقر يمكن تجنبها، وهو ما يعني أن هناك 22 ألف حالة وفاة لأطفال تحدث يومياً في مختلف أنحاء العالم النامي، كان من الممكن تلافيها. وعلى رغم اقتناعي بأن دولارات التبرعات التي نتبرع بها يجب أن توجه للجهات أو الشرائح الأكثر استحقاقاً خارج بلادنا، فإن إحصائيات منظمة «جيفنج يو.إس إيه» الخيرية تبين أن 8 سنتات فقط من كل دولار يتم التبرع به هي فقط التي تذهب إلى هيئات أو منظمات تقع خارج أميركا. هناك العديد من العوامل السلبية التي تتدخل في عمل تلك الجهات والمنظمات والتي تؤثر على وصول أموال التبرعات لمستحقيها؛ ومنها على سبيل المثال، أن نسبة كبيرة من أموال التبرعات تنفق على المصاريف الإدارية لتلك الجهات والمنظمات، وكذلك بعض تلك الجهات والمنظمات تقوم بتوظيف أقل عدد ممكن من الموظفين بغية تخفيض النفقات، ولكن ذلك يأتي على حساب إجراء الأبحاث والدراسات الكافية اللازمة للتعرف على الفئات والأشخاص الأكثر احتياجاً لأموال التبرعات. وهناك مجالات أخرى تستحق أن توجه إليها الأموال، التي نتبرع بها مثل مقاومة التغيرات المناخية التي تؤثر على الدول والفئات الأكثر تعرضاً لمخاطر الكوارث، والأهم أن يكون المبدأ والبوصلة هما الموجهان لنا في التبرع في أن تذهب تبرعاتنا إلى الأماكن التي يكون وقعها فيها أقوى، وأكثر فائدة. ------- بيتر سينجر أستاذ الأخلاقيات البيولوجية في جامعة برينستون ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «أم. سي. تي إنترناشيونال»