لا يبدو أن الواقع العربي في عام 2013 سيكون أقل تأزماً وتوتراً من العامين الماضيين فيما يتعلق بالمشهد السياسي في الدول التي شهدت تغيير أنظمة الحكم فيها، أو في سوريا التي لا يزال فيها النظام يستمد وقود بقائه من إراقة مزيد من دماء الأبرياء. استطاع النظام أن يطيل أمد بقائه بسبب دعم لامحدود يحصل عليه من حلفائه مثل روسيا وإيران والصين، وبسبب عدم جدية الأطراف الدولية الفاعلة مثل الولايات المتحدة والدول العربية والاتحاد الأوروبي في دعم الحراك الساعي لإسقاط النظام على رغم ادعائها عكس ذلك، ليواجه الشعب لوحده آلة الحرب التابعة للنظام التي أزهقت أرواح قرابة على 50 ألف شخص وشردت الملايين ودمرت ما يقارب الـ 80 في المئة من المدن والبنى التحتية في البلاد. جميع الأطراف الدولية تعاملت مع الحراك السوري وفق حساباتها ومصالحها وأولوياتها الاستراتيجية وليس لكونها كارثة إنسانية تتطلب تدخلا فعلياً يضع حداً لهذا النظام الذي يبيد الشعب. فروسيا والصين عملتا على إجهاض الحراك وضمان بقاء الأسد للمحافظة على أقوى حليف لهما في المنطقة. وبالنسبة لإيران فإن رحيل بشار يعني انتهاء مشروعها في الهيمنة على المنطقة. وأما الولايات المتحدة والدول الأوروبية فهي قلقة على أمن إسرائيل أكثر من أي شي آخر وكذلك من وصول الأسلحة الاستراتيجية والكيماوية إلى أيدي من تعتبرهم «متشددين». وتركيا ليست متحمسة كثيراً لنجاح الحراك خشية أن يدعم ذلك مستقبلاً مطالبات أكراد المنطقة في الانفصال. لو كانت الأطراف الدولية التي تدعي دعمها للحراك السوري جادة بالفعل في إسقاط النظام لعملت على فرض مناطق حظر للطيران، وزودت النشطاء بصواريخ مضادة للطائرات، ولم تكتف فقط بالاعتراف بالمجلس الوطني السوري، أو الاستمرار في إرسال مبعوثين دوليين بمبادرات أثبتت فشلها في وقف إراقة الدماء. ويجمع كثير من المراقبين على أن سقوط نظام بشار أمر محتوم ولكنه مسألة وقت، وقد يكون ذلك في الربع الأول من العام الجاري. إلا أن هناك مخاوف فعلية من أن النظام سيلجأ قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة إلى استخدام السلاح الكيمياوي ليس لضمان بقائه وإنما بدافع الانتقام الأعمى من الشعب. إن سوريا ما بعد الأسد في عام 2013 ستكون مثخنة بالجراح والآلام، فلم يترك فيها النظام بيتاً إلى وقد طاله التدمير أو قتل أفراده أو شردهم... أما المخاوف من الحرب الطائفية والاقتتال الأهلي فهي واردة ما لم يعمل السوريون بأنفسهم على تجنب ذلك، وأن يتجهوا لإعمار البلاد. وبشأن الدول العربية الأخرى التي شهدت تغييرات مثل تونس ومصر وليبيا، فقد خيب عام 2012 تطلعات كثير من شعوب تلك الدول التي لم يعمها حتى الآن الأمان والاستقرار على رغم وصول أنظمة جديدة إلى سدة الحكم بطرق ديمقراطية أو توافقية كما هو الحال في اليمن. وكلما زاد الانقسام بين السياسيين والنخب كلما تأخر الشعب في جني ثمار حراكه. كما أن هناك بوادر لتغيرات عربية جديدة بدأت تظهر في العراق وتحديداً في المحافظات السُّنية ضد السياسات الطائفية للحكومة، أو في السودان الذي لا تستجيب حكومته للمطالبات الشعبية بالتغيير. وفي عام 2013، ستتواصل الأزمات السياسية التي ستضع العرب في قلب الأحداث الساخنة في العالم... فالسنوات التي تلي التغيرات هي سنوات شديدة على الشعوب، ولن تنجح ولن تؤتي أكلها إلا إذا أصر جميع الفرقاء على تجاوز أزماتهم والانطلاق بالأمة نحو البناء.