شهد عام 2012، الذي سينصرم اليوم، عدداً من الإنجازات الصحية على الصعيد الدولي، تضمنت نهاية انتقال العدوى بفيروس شلل الأطفال في الهند، وبلوغ هدف التنمية الألفية على صعيد توافر مياه الشرب النظيفة لأكثر من ملياري شخص، قبل أن يحل الموعد المحدد أصلاً لبلوغ هذا الهدف، وغيره كثير. وبالترافق مع كل هذا، نجحت حكومات العديد من الدول في اتخاذ قرارات مهمة، للحد مثلا من التجارة غير الشرعية في منتجات التبغ، أو تفعيل سياسات مراقبة الأمراض غير المعدية مثل أمراض القلب والسكري، والقيام بأبحاث عديدة ودراسات متعمقة حول فيروس الإنفلونزا (H5N1) ، للحد من فداحة الخطر المستقبلي الذي يحمله هذا الفيروس للجنس البشري برمته. ومن بين الإنجازات الصحية الدولية التي تمت خلال العام، اضطلعت منظمة الصحة العالمية أيضاً بدور محوري في العديد منها، مثل مكافحة أوبئة الأمراض المُعدية التي تظهر بين الحين والآخر في مناطق العالم، كما حدث مع وباء فيروس مرض «الإيبولا» في أوغندا، أو تشجيع ودعم العديد من الدول للاستثمار في إجراءات التحكم في الملاريا، من خلال ما يعرف بالمبادرة الثلاثية التي تتضمن ثلاثة أجزاء؛ الفحص، والعلاج، والمتابعة. وبداية، وقبل وقت ليس بالبعيد، كانت الهند تشكل نقطة ساخنة في تقييم الوضع الدولي لمدى انتشار مرض شلل الأطفال حول العالم، ولكن في الثاني عشر من يناير الماضي، رفعت الهند من قائمة الدول التي لا يزال الفيروس المسبب للمرض ينتقل فيها من شخص إلى آخر بشكل طبيعي. وهو ما يعتبر استمراراً لقصة نجاح الجهود الدولية في مكافحة المرض، حيث يتواجد الفيروس حالياً في أقل عدد من الدول في التاريخ على الإطلاق، وبالتحديد في ثلاث دول فقط هي: أفغانستان، وباكستان، ونيجيريا. وفي ظل حقيقة أنه لا يوجد حالياً علاج يمكنه تخليص الجسم من الفيروس، وتحقيق الشفاء التام، تسعى التدخلات الطبية فقط إلى تخفيف الأعراض بين المصابين، وتسريع النقاهة، وتجنب المضاعفات. وتتركز جهود مكافحة المرض على الوقاية من الإصابة من الأساس، من خلال التطعيمات الطبية، التي نجحت بالفعل في القضاء على 99,9 في المئة من حالات شلل الأطفال، ولم يبق إلا 0,1 في المئة فقط، في الدول الثلاث سابقة الذكر، بالإضافة إلى حفنة من الحالات لا تزيد على عدد أصابع اليد الواحدة في تشاد. أما الهند، فكان عام 2012 هو عام تتويجها كدولة خالية من فيروس شلل الأطفال، وكان ذلك دليلاً وبرهاناً قاطعاً على أنه من الممكن مكافحة هذا المرض اللعين والقضاء عليه، في أفقر الدول وتحت أسوأ الظروف. وفي السادس من مارس الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية مع منظمة اليونيسف، أن العالم قد تمكن من تحقيق أحد أهداف الألفية للتنمية (Millennium Developmental Goal) والرامي لخفض عدد الأشخاص المحرومين من توافر مياه شرب نظيفة حول العالم، وبمقدار النصف. فما بين عامي 1990 و 2010 تمكن أكثر من ملياري شخص من الحصول على مياه نظيفة صالحة للشرب، ولبقية الاستخدامات الآدمية الشخصية، وللمرة الأولى في حياتهم، إما من خلال شبكات مياه حديثة، أو آبار تقليدية. وتأتي أهمية هذا الإنجاز من حقيقة أن 10 في المئة من إجمالي العبء المرَضي الذي يرزح تحته أفراد الجنس البشري، ممكن تجنبه ورفعه عن كاهلهم، من خلال الإجراءات والتدابير التي تعنى بإدارة مصادر المياه، وتوفير المياه الصالحة للشرب، وبناء وصيانة نظم الصرف الصحي، حيث يقدر بأن تحقيق هذه الأهداف سيؤدي بالتبعية إلى منع وفاة 1,4 مليون طفل سنوياً بسبب أمراض الإسهال، و500 ألف وفاة أخرى بسبب الملاريا. وبخلاف الوفيات يمكن لمياه الشرب النظيفة، ونظم الصرف الصحي الحديثة، المساهمة في تجنب تعرض خمسة ملايين شخص للإعاقة الشديدة بسبب ديدان الفلاريا، وخمسة ملايين آخرين بسبب التراكوما التي تصيب جفون العينين، وتؤدي إلى مضاعفات بصرية خطيرة، وهو ما يجعل الاستثمار في إمدادات مياه الشرب، ونظم الصرف الصحي، من أعلى الاستثمارات عائداً على الإطلاق، على الجانبين. وبخلاف قضايا الصحة العامة، حفل عام 2012 أيضاً بالعديد من الاختراقات على صعيد الأبحاث والدراسات العلمية، التي يؤمل لها أن تفتح الطريق لأساليب علاجية وتشخيصية جديدة في عدد من المجالات العلمية. وأحد تلك المجالات التي حظيت بالتقدير هذا العام هو مجال أبحاث الخلايا الجذعية، حيث منحت لجنة «نوبل» جائزة هذا العام، للعالم البريطاني «جون جوردون» ، مشاركة مع الطبيب والجراح الياباني «شنيا ياماناكا»، تقديراً لجهودهما وأبحاثهما في مجال الخلايا الجذعية أو خلايا المنشأ، التي أدت إلى اختراقات مهمة في هذا المجال، تبشر بثورة مرتقبة في عالم الطب والعلاج. وإن كانت هذه الإنجازات والاختراقات قد ترافقت بتصاعد العديد من التحديات الصحية الأخرى، مثل التبعات الاجتماعية والصحية لشيخوخة المجتمعات، وتراجع تمويل أبحاث الملاريا والإيدز نتيجة الأزمة المالية العالمية، وتفاقم مشكلة إساءة معاملة كبار السن، وهي التحديات التي يؤمل أن يتمكن المجتمع الدولي من تخطيها، كما تمكن من تخطي تحديات هذا العام، ومن ثم تحويلها إلى إنجازات واختراقات.