عشر سنوات امتدت من منتصف الثمانينيات حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان العداء بين السلفية العلمية، وبين تنظيم «الإخوان المسلمين» في أوجه، وكانت الأردن واليمن والسعودية والكويت إلى حد ما هي أكثر المناطق سخونة بين الطرفين. ولكن التصعيد وإثارة النقاش وتأليف الرسائل والردود، واستثارة الطرف الآخر كانت دائماً من نصيب السلفيين، ولم يكن لدى «الإخوان» الخليجيين رغبة في الصدام، فكانوا دائماً في موقف النائي والمدافع، وكان الحال مثله أيضاً في مصر إلى حد كبير. كان السلفيون يضربون بسلطة السلف وعقائد أئمة السنة. حيث نُزِّلتْ شهادات أئمة الجرح والتعديل في أهل الأهواء على الحزبين «الإخوان» و«السروريين». وشهدت الدروس العلمية العامة والخاصة لكل من ناصر الدين الألباني، وعبدالعزيز بن باز، ومحمد بن عثيمين مساجلات وأسئلة ومناظرات حول صحة عقائد أبناء الجماعة وحقيقة كونهم طائفة أو فرقة منحرفة تلحق بالاثنتين وسبعين فرقة التي جاءت الآثار بأنها كلها في النار، إلا واحدة هي الثالثة والسبعون. ولكن في الوقت نفسه كان الغنوشي وبعض رموز «الإخوان» يجدون احتفاء كبيراً من رموز إخوانية سعودية في المهرجانات الثقافية، مع حذر شديد من أن يتسرب إلى المناسبات الاحتفائية بعض «المزعجين» من السلفيين الصغار الذين كانوا يطرحون بجرأة أسئلة تحرج الضيف والمضيف. في اليمن طُبعت تعليقات الشيخ مقبل الوادعي في كتيب صغير شهير عن القرضاوي، وانتشرت محاضرات ونقاشات كثيرة للألباني حول القضية نفسها، وكان سفر الحوالي الذي أشرف على رسالتيه محمد قطب شقيق سيد قطب، كان لرسالته «العلمانية» تأثير هائل على الفكر الصحوي السعودي، بينما كانت الأخرى حول «ظاهرة الإرجاء» فكراً تكفيرياً، وظَّف بذكاء المناطق المعتمة والرمادية في ركام تراث عقائد السلف، ولهذا كانت «الإرجاء» أقل تأثيراً بكثير، ولسبب آخر أنها كانت ذات طبيعة فلسفية وكلامية، ولهذا كانت عسيرة الهضم والاستيعاب. وفي ظل هذا الخصام كان تيار جهادي آخر يتشكل بعيداً عن كل هذا الجدل، بعيداً عمن وصفهم «المجاهدون» بـ«القاعدين» من السلفيين الذين رضوا بالدعة. وبعيداً أيضاً عن «الإخوان» الذين ارتضوا أن يكونوا ضمن أتباع «الطواغيت» كما كان يصفهم فكر جهادي تشكل في نهاية الثمانينيات، الذين آثروا الصمت والتغلغل في المناصب والوظائف والمداهنة ومظاهرة المحاربين لدين الله. وفي ظل هذا جاءت قصة احتلال الكويت، وأعقبتها الفتنة بين المجاهدين الأفغان، وتبعتهما الثالثة، وهي تجربة جبهة الإنقاذ والحرب الأهلية التي عاشتها الجزائر طوال عقد التسعينيات. فاحتلال صدام أعاد إلى الواجهة قضايا عديدة، منها، إسلام الحكام وكفرهم، الحاكم المرتد، والحاكم الأصلي الكافر، مناصرة المسلم الظالم الجائر المعتدي في وجه الكافر والاستعانة بالكافر ضد المسلم، وجاء انهيار الصورة المثالية للجهاد الأفغاني بعد مقتل السلفي جميل الرحمن في كنر، ثم اقتتال أمراء الحرب الذين صُوروا لنا على أنهم صورة عن أسلافنا الفاتحين العظام. أحداث الجزائر وما تبعها من نقاش طويل كبير بين السلفيين وبين «الجهاديين»، وكذلك تطور الأوضاع بعد ذلك في البلقان، في البوسنة والهرسك وفي ألبانيا. كانت تفعل فعلها. عشر سنوات مليئة بالتحولات والنقاش والحفر في الكتب والمراجع، والعداوات والهجران بين الإخوة ، فترة خصبة كان الفاعل فيها السلفيون بكل أطيافهم والشباب «المجاهدون» بكل انتماءاتهم. لم يكن لـ«الإخوان» فيها أي تأثير أو مساهمة تذكر، ولكنهم كانوا دائماً ومن وراء الكواليس يطرحون أنفسهم لدى الساسة الغربيين، ويعقدون الصفقات على أنهم أكثر تيارات الإسلاميين وسطية، وعقلانية وواقعية. وكان ابن لادن نفسه واحداً من كوادر «الإخوان المسلمين»، وللحديث بقية.