قبل أن تطوى أوراق السنة الميلادية بأيام معدودة أعلنت السلطات الأمنية في دولة الإمارات الأربعاء الماضي أنها وبالتنسيق مع السلطات الأمنية السعودية ألقت القبض على أعضاء خلية إرهابية كانت تخطط لاستهداف مقرات ومنشآت حساسة في كلا البلدين وبعض الدول الشقيقة، وكانت تنوي تنفيذ اغتيالات لشخصيات دبلوماسية والإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة وأمن دول الخليج للخطر، وكشفت الأجهزة عن قيام عناصر من الخلية الإرهابية باستيراد مواد وأجهزة ومعدات بهدف تنفيذ عمليات إرهابية، وذكرت المصادر الأمنية لوسائل الإعلام أنها لا تستبعد ارتباط الخلية الإرهابية بخلايا تم ضبطها سابقاً أو بخلايا نائمة في دول الجوار تابعة لجماعات متطرفة. إن التفجيرات الإرهابية والاغتيالات كانت وما زالت من الأساليب المفضلة لدى الجماعات الإرهابية، ويخلق تهديد «الخلية الإرهابية» الخليجية تحدياً ذا طابع خاص للدول الخليجية، وهو من التهديدات التي تتطلب اهتماماً فورياً ومباشراً ومعالجة استثنائية، فهو من التهديدات الأمنية العابرة للحدود التي تتطلب أعلى مستويات التنسيق بين الجهات الأمنية، ولن تتوانى الدول الخليجية في المحافظة على أمن مجتمعاتها من هذه الفئات الضالة وغيرها من أصحاب الأفكار الهدامة، وأياً كانت الأطياف الفكرية التي ينتمي إليها أعضاء الخلية الإرهابية فهم مرفوضون مجتمعياً، وستصطف الشعوب الخليجية معاً خلف حكومتها ضد الإرهاب. ولكن دائماً ما يثير وجود الخلايا الإرهابية تساؤلات حول الأسباب والدوافع التي تدفع بالشباب للانخراط في فكر متطرف والانضواء في خلايا إرهابية. إن الإرهاب غالباً ما يوصف بسلاح الضعفاء، كما يقول رونالد كريلينستن في كتابه القيم «مكافحة الإرهاب» الصادر عن مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية، بمعنى أن الجماعات الإرهابية لا تستطيع أن تجمع ما يكفي من القوة البشرية أو الأسلحة لشن تمرد، وهذا الإرهاب لا يتطلب إلا القليل من الموارد والقوة البشرية، ويحظى الإرهاب بخاصيته الاقتصادية فالإرهابي يقتل فرداً فيروع عشرة آلاف والأفعال هنا أعلى صوتاً من الكلمات، مؤكداً أن الإرهاب «دعاية بالأفعال»، فغايات الإرهاب تمتد إلى ما هو أبعد من ضحاياه المباشرين، إنه البعد الرمزي في استهداف شخص أو رمز وطني أو مَعلم سياحي أو اقتصادي. إذا كان الإرهاب شكلا من الحرب النفسية فإن البعد الدعائي يصبح عنصراً مهماً في مكافحة الإرهاب أيضاً والهدف هو إحداث تغيير في مواقف السلوك في مجموعات أو جماهير مستهدفة بشكل خاص، كما يؤكد «كريليتسين»، وهو من الوسائل التي ينبغي للدول الخليجية اتباعها للسيطرة على الإرهاب ومكافحته ودفع أعضاء الخلايا الإرهابية النائمة للتخلي عن استخدامه لصالح وسائل أخرى للاحتجاج، ولعل إحدى أهم الرسائل الدعائية المستخدمة بفعالية هي تأكيد الحكومات والشعوب أنه لا طائل من وراء الإرهاب. نحن نعيش في عالم من التهديدات، فمكافحة الإرهاب تتطلب دائماً أدوات جديدة للتحليل وأطراً فكرية جديدة، كذلك الدراسة والبحث في الأسباب الكامنة للإرهاب في الخليج، وتتطلب مكافحة الإرهاب أيضاً محاولة فهم التهديد الكامن والمحتمل ودراسة أسبابه ومكامن الضعف المحتملة، ويأتي تفعيل الاتفاقية الأمنية التي وقعها وزراء داخلية دول مجلس التعاون بتاريخ 13 نوفمبر الماضي من أهم إجراءات الردع التي اتخذتها الدول الخليجية في مكافحة الإرهاب، ولكن وكما أثبتت التجارب بأنه لا يمكن القضاء على الفكر الإرهابي بالأسلوب الأمني فقط، فالحرب على الإرهاب تتطلب رؤية سياسية واقتصادية متكاملة من أجل تجفيف منابعه. والله يحفظ دولة الإمارات العربية المتحدة ويديم علينا نعمة الأمن والأمان. كل عام إماراتنا، وخليجنا بخير.