تأكيداً على ضرورة استعادة النمو الاقتصادي المتعثر في بلاده، قال «شينزو آبي» إن «تنامي القوة الوطنية يأتي بالتوازي مع الاقتصاد القوي، وبدون الإنعاش الاقتصادي الحقيقي لن يكون هناك مستقبل لليابان»، وذلك في خطابه أمام مجلس النواب بُعيد انتخابه بأصوات أغلبية أعضاء المجلس، رئيساً للحكومة يوم الأربعاء الماضي. وهي أغلبية أحرزها «الحزب الليبرالي الديمقراطي» خلال الانتخابات الأخيرة، وفتحت طريق العودة أمام «آبي» نحو المنصب الذي سبق أن شغله، ويتسلمه هذه المرة مقدماً نفسه على أنه «منقذ اليابان». وتعود أصول «آبي شينزو»، المولود عام 1954 في مقاطعة «ياماجوتشي»، إلى ثلاث أسر نافذة ومؤثرة في المقاطعة منذ القرن التاسع عشر، وهي «آبي»، و«كيشي»، و«ساتو». وكان «نوبيسك كيشي»، وهو جد«شينزو آبي» من جهة الأم، رئيساً لوزراء اليابان بين عامي 1957 و1960، وقد عرف بانتهاجه سياسة إعادة إدماج اليابان في المجتمع الدولي، وبكونه استطاع عام 1960 إعادة «التوازن» إلى معاهدة سان فرانسيسكو المثيرة للجدل، الموقعة بين بلاده والولايات المتحدة عام 1951. كما أن «شينزو آبي» هو ابن بنت أخ لرئيس وزراء آخر، هو «إيساكو ساتو» الذي ترأس الحكومة اليابانية بين عامي 1964 و1972. أما جده لأبيه فكان نائباً مستقلا في البرلمان بين عامي 1937 و1946. بينما كان والده «شينتارو آبي» شخصية سياسية مهمة ومؤثرة في الثمانينيات، حيث كان أميناً عاماً لـ«الحزب الليبرالي الديمقراطي» الذي بقي في السلطة منذ إنشائه عام 1955 وحتى عام 1993، ثم من عام 1994 وحتى عام 2009، كما كان عضواً في البرلمان. ومن نفس العائلة نجد أيضاً «يوسوك ماتسوكا» الذي كان وزيراً لخارجية اليابان بين عامي 1940 و1941. تخرج «شينزو آبي» بشهادة في العلوم السياسية من جامعة «سيكي» بطوكيو عام 1977، ثم تابع دراسته في العلوم السياسية بجامعة جنوب كاليفورنيا، ولدى عودته من الولايات المتحدة عمل في شركة البناء الصلب المحدودة «كوبي ستيل». وبداية من عام 1982، عمل كمساعد لوالده في وزارة الشؤون الخارجية، ثم في رئاسة المجلس العام لـ«الحزب الليبرالى الديمقراطي» بين عامي 1986 و1989. وبعد وفاة والده عام 1991، انتخب شينزو آبي ليحل محله نائباً برلمانياً عن الدائرة الأولى في مقاطعة «ياماجوتشي»، وأعيد انتخابه لنفس المقعد عام 1996. في ذلك العام بدأ يظهر كممثل للجيل الشاب من «الحزب الليبرالي الديمقراطي»، وكوجه من المعسكر الإصلاحي داخل الحزب، فكان أحد الداعمين لـ«جونيتشير كويزومي» في حملته الأولى لرئاسة الحزب، لكن «كويزومي» هزم على يدي «رموتارو هاشيموتو». ورغم ذلك فقد انتخب «آبي» عام 1997 رئيساً لمكتب الشباب في الحزب، وأصبح في عام 1999 مديراً لشعبة الشؤون الاجتماعية في الحزب أيضاً، ومديراً للجنة الصحة والشؤون الاجتماعية في مجلس النواب. ثم عُين نائب أمين عام الحكومة في يوليو 2000 على عهد رئيس الوزراء في حينه «يوشيري موري»، قبل أن يصبح أميناً عاماً للحكومة في سبتمبر 2003، في السنة الثانية من رئاسة «كويزومي» للوزراء. وفي ذلك العام اختاره «كويزومي» أميناً عاماً للحزب، ليترشح بعد ثلاث سنوات لرئاسته في مواجهة مرشحين كبيرين هما «ساداكازو تانيجاكي» و«تارو آسو»، حيث فاز بخلافة «كويزومي» في رئاسة الحزب والحكومة، في سبتمبر 2006... فكان أصغر من تولى هذا المنصب منذ نهاية الأربعينيات، وأول رئيس وزراء ياباني مولود بعد الحرب العالمية الثانية التي انتهت باستسلام اليابان. لكن «آبي» لم يستطع مواجهة الركود الاقتصادي، وفشل حزبه في انتخابات مجلس الشيوخ (يوليو 2007)، وعجز عن توسيع نطاق قانون مكافحة الإرهاب، كما تراجعت شعبيته إلى أقل من 30 في المئة، وتكررت الفضائح الحكومية وتتالت استقالات وزرائه وانتحر أحدهم... فقدم "آبي" استقالته من رئاسة الحكومة والحزب في 25 سبتمبر عام 2007، لينتقل مع حزبه نحو صفوف المعارضة لمدة ثلاثة أعوام. لكن بعد تجربته الأولى، والتي انتهت خلال فترة وجيزة وحرجة، ها هو «آبي» يعود رئيساً للوزراء للمرة الثانية، حيث انتخب مجدداً لرئاسة «الحزب الليبرالي الديمقراطي» في 26 سبتمبر الماضي، ليقوده في 16 ديسمبر الجاري نحو فوز انتخابي كاسح مكّنه من الحصول على 300 مقعد في مجلس النواب، إضافة إلى 25 مقعداً أخرى حصل عليها حليفه التقليدي «حزب كوميتو الجديد». وفي جلسة التصويت التي عقدها المجلس الجديد يوم الأربعاء الماضي، حصل «آبي» على أصوات 328 نائباً من أصل 487 شاركوا في التصويت. وعلى الفور أعلن أسماء أعضاء حكومته، ومنهم النائب السابق «فوميو كيشيدا» وزيراً للخارجية، والسياسي المخضرم رئيس الوزراء السابق «تارو آسو» وزيراً للمالية، وخبير السياسة النقدية «توشيميتسو موتيجي» وزيراً للتجارة والصناعة. وهي تعيينات تعزز مساعيه لإعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي وإصلاح التعليم وتصحيح نهج الدبلوماسية الخارجية وإرساء الأمن... وكلها معايير توازي «الدولة اليابانية الجديدة». لقد عاد «آبي» تحت شعار «بناء بلاد قوية ومزدهرة يفتخر السكان فيها بالانتماء إلى الهوية اليابانية»، أو كما قال في كتابه «نحو الأمة الجميلة»، الذي حقق أعلى المبيعات في عام 2006، «يمكنني أن أعقد منتدى، حيث يمكن لليابان أن تؤكد بشكل مريح موقفها بدلا من اللعب في ميدان حدده الآخرون». ويعرف «آبي» بنزعته القومية، وهو يقدم جده «نوبيسك كيشي» على أنه نموذجه السياسي، لاسيما في دعوته إلى طي صفحة «مجتمع ما بعد الحرب» واستعادة الكرامة الوطنية للشعب الياباني. لذلك فمن الهواجس الشخصية لـ«آبي» مراجعة الدستور السلمي الذي فرضته الولايات المتحدة على اليابان عام 1947، لأنه «لم يعد يتماشى مع الأوضاع الحالية في العالم». كما بنى جزءاً من شعبيته على موقفه الحازم حيال كوريا الشمالية، ودعوته لمناقشة إمكانية توجيه ضربة وقائية ضدها. وهو يؤكد في هذه المرة أنه لن يرضخ للصينيين بشأن النزاع على جزر «سنكاكو» في شرق بحر الصين، التي تديرها طوكيو وتطالب بها بكين. ورغم حراجة اللحظة ومشقة المهمة، فربما يكون «آبي» قد أصبح الآن في موقع أقوى لتصحيح أخطائه وأخطاء أسلافه من «الحزب الليبرالي الديمقراطي»، فهو يقدم التأكيد تلو الآخر على أن دوره في المرحلة الحالية إنقاذ اليابان وإخراجها من هوة الركود الاقتصادي وتوابعه في بقية المجالات الأخرى. محمد ولد المنى