الاتفاقية التي وقعتها، مؤخراً، وزارة التربية والتعليم، وهيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية «تنمية»، لتعزيز التوجيه والإرشاد المهني داخل مدارس الدولة، تنطوي على أهمية بالغة ليس فقط لأنها تسهم في توجيه الطلاب نحو اختيار المهن التي تتناسب مع قدراتهم العلمية، وتحديد المسار الوظيفي لهم مستقبلاً، وإنما أيضاً لأنها تتعاطى بشكل عملي مع واحدة من أهم المشكلات التي تواجه مسيرة التعليم في الدولة، وهي العزوف عن التخصصات العلمية التي أصبحت تمثل تحدياً تنموياً على المستويات كافة. تتضمن هذه الاتفاقية العديد من الأهداف التي يمكن أن تقدّم حلولاً ناجحة لهذه المشكلة، في مقدمتها المساهمة في بناء مجتمع العلم واقتصاد المعرفة، والمواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، وإحداث التكامل والتناسق بين كل من هيئة «تنمية» ووزارة التربية والتعليم في ما يتعلق بتقديم خدمات الإرشاد والتوجيه المهني لطلبة المدارس التابعة للوزارة، ودعم جهود هيئة «تنمية» في توظيف الكوادر الوطنية وتأهيلها، ومساندة جهود الوزارة وتقديم الدعم اللازم نحو تطوير برامج الإرشاد الطلابي لمراحل التعليم العام. وتعزيز برامج الإرشاد المهني في مدارس الدولة المختلفة يعدّ خطوة مهمة نحو تعريف الطلاب بمتطلبات سوق العمل، ومساعدتهم على تحديد التخصصات التي تناسب إمكاناتهم، بما يتيح لهم الانخراط بسهولة في سوق العمل عقب تخرجهم، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار أن كثيراً من المواطنين الذين يجدون صعوبة في الحصول على فرص عمل تناسب قدراتهم يرجعون ذلك إلى غياب التوجيه المهني لهم خلال فترة الدراسة، وهو الأمر الذي أدى إلى عدم وجود تصوّرات واضحة أمامهم بشأن كثير من المهن التي كان يمكن الانضمام إليها لو أتيحت لهم برامج توجيه مناسبة، وهذا هو أحد أهداف الاتفاقية الجديدة التي تعمل على تشجيع الشباب على التخطيط السليم في اتخاذ القرارات المهنية المتعلقة بمسارهم المهني وفق احتياجات سوق العمل. وبالإضافة إلى ما سبق، فإن ما يضاعف من أهمية برامج الإرشاد والتوجيه المهني في مدارس الدولة المختلفة، هو وجود فجوة واضحة بين أعداد الطلاب في القسمين العلمي والأدبي، حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 71 في المئة من طلبة الثانوية العامة يتجهون إلى القسم الأدبي، مقابل 29 في المئة فقط للعلمي، وهذا أمر يترتب عليه نقص التخصصات العلمية بصورة واضحة، وتؤكده نتائج الدراسة التي أعدّتها «مؤسسة الإمارات لتنمية الشباب» حول هذه الظاهرة مؤخراً، التي خلصت إلى أن نسبة الخريجين في التخصصات الجامعية المبنيّة على اقتصاد المعرفة (الهندسة والطب والعلوم وتقنية المعلومات) تبلغ 24,6 في المئة فقط، وأن هذه المعادلة تنتهي عند كون 7 في المئة فقط من الإماراتيين، يعملون في وظائف لها علاقة بالعلوم والتكنولوجيا والابتكار. إن تعزيز برامج الإرشاد المهني في مدارسنا لم يعد ضرورة تربوية وتعليمية فقط، وإنما ضرورة تنموية في المقام الأول أيضاً، لأنه إذا استمرت الفجوة قائمة بين التخصصات النظرية والأدبية والعلمية، فستتعمق الهوّة بين مخرجات العملية التعليمية ومتطلبات سوق العمل، الأمر الذي سينعكس سلباً على جهود الدولة لتحقيق التوطين، الذي يعتمد في الأساس على وجود كوادر بشرية مواطنة قادرة على الانخراط في العمل في مختلف المجالات، ولهذا فإن من المأمول أن تسهم هذه الاتفاقية في تعزيز برامج الإرشاد المهني وأن تسهم في تغيير توجهات الطلاب، وتشجيعهم على الالتحاق بالتخصصات العلمية التي يحتاج إليها سوق العمل في الدولة. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية