بوسع أوباما، وهو يستعد لبدء ولايته الثانية في البيت الأبيض، أن يشعر ببعض الارتياح نظراً لأن المواقف الإيجابية تجاه الولايات المتحدة قد ارتفعت من جديد في عدد من البلدان العربية. فبعد أن تدنت إلى مستويات قياسية خلال سنوات بوش، أدى انتخاب أوباما في عام 2008 وجهود الرئيس الجديد الأولى للتواصل والتقرب من العالمين العربي والإسلامي إلى ارتفاع في المواقف الإيجابية تجاه الولايات المتحدة عبر المنطقة العربية. غير أنه بحلول منتصف عام 2011 ، ونظراً لحقيقة أن معتقل جوانتانامو ما زال مفتوحاً، والقوات الأميركية ما زالت في العراق، والبيت الأبيض استسلم للتصلب الإسرائيلي على ما يبدو، تدنت المواقف العربية تجاه أميركا من جديد إلى المستويات التي كانت سائدة في عهد بوش. غير أن استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة زغبي في نوفمبر عام 2012 كشف أن إجمالي التقييمات الإيجابية للولايات المتحدة قد عرف ارتفاعاً في معظم البلدان العربية. ولعل الأهم من ذلك هو أن ثمة، في هذه اللحظة، أغلبيات قوية في عدد من البلدان ترى أن الولايات المتحدة تقوم حالياً بمساهمة إيجابية في السلام والاستقرار في العالم العربي. يشار إلى أنه إضافة إلى البلدان التي تغطيها استطلاعات الرأي التي تجريها مؤسسة زغبي عادة (المغرب ومصر ولبنان والأردن والسعودية والإمارات)، فإن استطلاع الرأي شمل أيضاً كلاً من العراق وفلسطين وتونس. وما يشير إليه استطلاع الرأي عام 2012 هو أن التراجع في المواقف الإيجابية الذي شهدناه في عام 2011 تجاه الولايات المتحدة قد توقف وأن التقييمات عادت للارتفاع. ففي السعودية، على سبيل المثال، بلغت التقييمات الإيجابية الأميركية مستوى مرتفعاً غير مسبوق هو 62 في المئة، بينما عادت المواقف الإيجابية في الأردن والإمارات لترتفع إلى حيث كانت في عام 2009. وفي مصر، ما زالت التقييمات الخاصة بالولايات المتحدة متدنية حيث بلغت 10 في المئة؛ غير أن ذلك يمثل ضعف معدل 5 الإيجابي الذي منحه المصريون للولايات المتحدة في عام 2011، ولكنه بعيد كل البعد عن مستوى الـ30 في المئة الذي كان عليه عندما وجه أوباما خطاب «بدايات جديدة» إلى العالم العربي من منصة جامعة القاهرة. أما في لبنان والمغرب، فقد بقيت المواقف من الولايات المتحدة ثابتة على حالها. ولعل النتيجة الملفتة حقاً هي الأكثر من 80 في المئة من الأردنيين والإماراتيين الذين يقولون اليوم إنهم يعتقدون أن «الولايات المتحدة تساهم في السلام والاستقرار في العالم العربي» -وهو ارتفاع دراماتيكي مقارنة مع الأقل من 10 في المئة الذين كانوا يحملون هذا الرأي قبل عام ونصف العام. ويقابل هذا ثلاثة أرباع السعوديين، ونصف المصريين، وأكثر من ثلث اللبنانيين والمغاربة الذين يتفقون أيضاً على أن الولايات المتحدة تلعب دوراً إيجابياً في المنطقة. وفي كل هذه الحالات، كان الارتفاع منذ عام 2011 مهماً وجوهرياً. أما في تلك البلدان التي ليست لدينا معطيات عنها لعام 2011، فنجد تقييمات إيجابية منخفضة للولايات المتحدة عموماً (13 في المئة في العراق، و2 في المئة في فلسطين، و19 في المئة في تونس). غير أن العراقيين والفلسطينيين والتونسيين يعطون في المقابل معدلات مرتفعة لدور الولايات المتحدة الإقليمي؛ حيث نجد أن 65 في المئة من الفلسطينيين، و49 في المئة من التونسيين، و40 في المئة من العراقيين، يتفقون على أن الولايات المتحدة تقوم بـ«مساهمة إيجابية في السلام والاستقرار في العالم العربي». وفي محاولة لفهم هذه النتائج أجرينا مقابلات مع مجموعة من صناع الرأي من صحفيين وسياسيين، فقيل لنا إن أسباب هذا الارتفاع في المعدلات، ولئن كانت تختلف شيئاً ما من بلد إلى آخر، فإنها تعكس تقديراً للمقاربة التعاونية والأكثر «تواضعاً» التي أخذ يتعامل بها أوباما مع العالم العربي. ويشيرون في هذا الإطار إلى وفاء الإدارة بتعهدها بالانسحاب من العراق، وعملها في بناء الائتلاف في ليبيا، وجهدها الدبلوماسي من أجل دعم التغيير في سوريا، ومقاربتها الأخلاقية تجاه التحول الديمقراطي في مصر. على أن النقطة السلبية، بالطبع، هي ضعف الإدارة بخصوص الموضوع الفلسطيني، إلا أن كثيرين يحافظون على بعض الأمل في أن تقوم الولايات المتحدة بمحاولة جديدة تروم تحقيق سلام إسرائيلي فلسطيني خلال الولاية الثانية. ولئن كان هذا الارتفاع في الثقة والدعم ينبغي أن يقابل بالترحيب في واشنطن، فإنه يأتي أيضاً مقروناً بتحذير. فهذا هو الارتفاع الثاني في التقييمات الإيجابية للولايات المتحدة خلال فترة تولي أوباما الرئاسة في البيت الأبيض. ومن الواضح أن هناك شعوراً بالارتياح لكون الرئيس قد نأى عن السياسات الأحادية التي كان يتبعها سلفه بوش. بيد أن الآمال كبيرة في أن لدى الولايات المتحدة القدرة على القيادة. وهكذا، فإن الرئيس يبدأ ولايته الثانية في وقت يمنحه الرأي العام العربي تصويتاً ثانياً بالثقة. ولكن التحدي واضح: عليه أن يتحرك الآن، لأن فقداناً ثانياً للأمل يمكن أن يكون نهائياً ولا رجعة فيه.