كيف سيُصبح حالك لو اكتشفت وأنت تُلقي نظرة عابرة على دفتر التقويم الموضوع بجوار سرير نومك، أن هذا الصباح هو آخر يوم لك؟! ماذا لو كنت واثقاً أن موعد رحيلك عن الدنيا قد أزف، وأن ملك الموت أخذ يدقُّ بابك ويستعجلك أن تستقبله وأنتَ بكامل هيئتك؟! هل ستُشرّع له مداخل بيتك مرحباً، أم ستغلقها بالمزلاج، وتجزُّ على أسنانك قهراً للعمر الذي مضى، والزمن الذي تركته خلفك، دون أن تُحقق ما تمنيته لنفسك ولأسرتك قبل حلول أجلك؟! كلامي لا طرافة ولا استهزاء فيه! فقد أعلن باحثون أميركيون عن اكتشافهم لجين قادر على تحديد تاريخ وفاة الإنسان في اليوم والساعة بدقة متناهية. وأن هذا الاستنتاج توصلوا له بعد دراسة دقيقة للجينوم التابع لأحد التخصصات الفرعية من علم الوراثة، حيث أن الساعة البيولوجية داخل جسم الإنسان من وجهة نظر الباحثين، تُنظّم الكثير من الظواهر البيولوجية والسلوك البشري، وتُظهر توقيت الكثير من العمليات الفسيولوجية. الطب لا يقف عند سقف معيّن، وقد ساهمت الإنجازات العلمية التي حققها العلماء على مدى قرون في تحسين الحياة على كوكب الأرض، وفي إطالة عمر الإنسان بعد أن كانت الأوبئة تفتك بملايين الناس في الأزمنة القديمة. ويأمل الباحثون من خلال هذا الإنجاز الطبي في تشخيص الداء الذي يُصيب الإنسان مبكراً، ومعالجة الأمراض الخطيرة قبل استفحالها، إضافة إلى تحسين الحالات المستعصية كمرض الشلل والرعاش والزهايمر. لكن السؤال: إذا كان هذا الاكتشاف صحيحاً في قدرته على محاربة الكثير من الأمراض الفتاكة التي وقف الطب أمامها عاجزاً، ألن يُخلّف آثاراً سلبيّة على سلوكيات الناس؟! شاهدتُ في صغري فيلماً قديماً لا أتذكر اسمه، يتحدث عن فتى سمع إحدى العرافات تقول لأبيه: إن ابنك سيموت عند بلوغه سناً معينة. الفتى كبر وظلت هذه الواقعة مسيطرة على تفكيره. ابتعد عن الفتاة التي يحبها، وأهمل عمله، وجلس يترقّب اللحظة التي سيموت فيها. المدهش في نهاية الفيلم أن موعد عيد ميلاد الفتى عندما أزف، وأخذ يُلاحق بعينيه عقارب الساعة المعلنة عن مولد يوم جديد، تفاجأ بأنه مر ولم يزل حيّاً يُرزق! تعودنا في ثقافتنا الدينية أن نقول الأعمار بيد الله، فهل ستُلغى هذه العبارة من قاموسنا لو أصبح كلام الباحثين حقيقة لا مناص منها؟! كيف يُمكن للبشرية أن تتعامل مع فكرة الموت المعلوم عند كل واحد منهم؟! «لكل أجل كتاب» هي فكرة إيمانية راسخة في قلب كل مؤمن ، لكن أرى بأنه عقاب قاس للإنسان أن يعرف موعد رحيله عن الدنيا. ليس هناك أجمل من أن يسعى كل فرد منّا إلى ترك بصمة مميزة في مجتمعه. وليس هناك أحلى من أن ننشغل بتعقّب خيوط أحلامنا ليلاً ونهاراً حتى نقبض عليها ونبرة الانتصار تخرج من حناجرنا، بعد أن جعلناها طوع أيدينا. وعلى الجانب المعاكس، ليس هناك أقسى من أن نجلس على قارعة الطريق ننتظر نهاياتنا. وليس هناك أصعب من أن نترقّب الموت وهو يقترب ليسلبنا واحداً من أحبائنا. سمعتُ بأن أحد الأثرياء في العالم، صرف ملايين الدولارات من أجل أن يخترع العلماء شيئاً يُبعد شبح الموت عنه لتعلّقه الشديد بالحياة، متجاهلاً بأن الموت سيأتيه ولو كان في بروج مشيّدة. إنها سنّة حتمية من سنن الكون، وسر من أسرار الحياة. ورغم رهبة الموت فإن عظمته تكمن في كونه لغزاً نترقبه ونجهل موعد قدومه، فلماذا يُصر الباحثون على فك شفرته مهما كانت دوافعهم نبيلة؟!