كانت باكستان والهند في حاجة إلى أربع سنوات طويلة حتى تقوما بتسوية خلافاتهما وفتح الحدود بينهما بقصد تسهيل العلاقات التجارية والرياضة وتحسين العلاقات الدبلوماسية. ويمكن القول إن الجهود التي يبذلها كلا البلدين تبعث على الفرح وتستحق الإشادة لأنه من المهم أن يقوم البلدان بوضع الماضي وراءهما وينكبا على رحلة مفيدة ومستقبل بناء وإيجابي لكلا الجانبين. والأمر مثير للسخرية، ولكن إطلاق اتهامات لا معنى لها على أحدهما الآخر، بدون مراعاة حقيقة أن معظم الناس الذين يعيشون على جانبي الحدود يطالبون بعلاقات ودية وجيدة بين البلدين ويؤيدونها، يحتاج لثوان فقط. فهذا وزير الداخلية الباكستاني رحمن مالك، الذي من المعروف أنه أثار ضجة من خلال تصريحات أدلى بها، قام بزيارة إلى الهند الأسبوع الماضي من أجل توقيع اتفاقية حول نظام تأشيرات جديد بين البلدين الجارين. ولكن المسؤول الباكستاني سرعان ما وجد نفسه في عين العاصفة بسبب تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها خلال هذه الزيارة وقال فيها إن رجل «عسكر طيبة» أبوجندل، الذي تم ترحيله إلى الهند من بلد خليجي، عميل لوكالة الاستخبارات الهندية، وهو تصريح أثار حفيظة نيودلهي التي وصفته بـ«السخيف». غير أن التصريح الذي أثار جدلاً واسعاً حقاً كان حول عسكري من ضحايا «حرب كارجيل» 1999، يدعى سوراب كاليا. فالنقيب كاليا أُلقي عليه القبض من قبل الجيش الباكستاني عندما كان في مهمة استطلاعية إلى جانب خمسة جنود هنود آخرين. وبعد أكثر من أسبوعين على اعتقالهما، سُلمت جثث كاليا وآخرين إلى الهند. ولكن تقرير تشريح الجثة كشف عن تعرضه لتعذيب شديد. وقد لجأ والد النقيب كاليا مؤخراً إلى المحكمة العليا الهندية حتى تأمر الحكومة الهندية بإثارة موضوع تعذيب ابنه في الأسر على أيدي الجنود الباكستانيين في المحاكم الدولية. وعلى رغم أن مالك وعد بأنه سيبحث هذه القضية، إلا أنه قال في الوقت نفسه إنه لا يعلم ما إن كان كاليا قد مات بسبب الرصاص أو بسبب الظروف المناخية القاسية. وهذا التصريح أثار رد فعل سياسياً كبيراً. وعلى رغم أن مالك سعى إلى توضيح كلامه، إلا أنه لم يستطع تغيير الخطاب. وعلاوة على ذلك، فقد اتهم وسائل الإعلام الهندية بتحديد أجندة المحادثات الهندية الباكستانية، واصفاً إياها بـ«غير العادلة». وعلى رغم أن نيودلهي المتضايقة ألغت مؤتمراً صحفياً هندياً- باكستانياً مشتركاً كان مقرراً لوزيري الداخلية، وقررت الامتناع عن إصدار بيان مشترك بعد المحادثات مثلما كان مقرراً سلفاً أيضاً، إلا أن نيودلهي وإسلام آباد مضتا قدماً مع ذلك في توقيع اتفاقية التأشيرات التي تقررت في وقت سابق بين البلدين. وتهدف اتفاقية تحرير نظام التأشيرات إلى تسهيل سفر المواطنين بين البلدين. وتكتسي هذه المبادرة أهمية كبرى نظراً لأن نظام التأشيرة بين البلدين كان محدوداً ومقيداً. كما كانت ثمة العديد من حالات رفض منح التأشيرة على كلا الجانبين. وحتى عندما كان يتم منح التأشيرة، كانت ثمة بعض الشروط التضييقية من قبيل ضرورة تبليغ مفوضية الشرطة بعد وقت قصير على الوصول. ومع نظام التأشيرة الجديد، يُنتظر أن تجد فئات مختلفة من مواطني البلدين سهولة أكبر الآن في التنقل عبر الحدود. وفي هذا الإطار، بات الأشخاص الذين تفوق أعمارهم 65 عاماً مؤهلين اليوم للحصول على التأشيرة لدى الوصول، في حين ارتفع عدد الأماكن التي يستطيع المرء زيارتها في البلد الآخر من ثلاثة إلى خمسة. أما بالنسبة لتأشيرة التجارة والأعمال، فقد مُنح أصحاب هذه الفئة إعفاءً شريطة تبليغ مفوضية الشرطة بالنسبة للأشخاص الذين لديهم أعمال تفوق دورة رأس مالها 30 مليون روبية. وعلاوة على ذلك، فإنه سيتم منح تأشيرة سنتين للمتقدمين في السن وللأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 عاماً ولمواطن أحد البلدين المتزوج من مواطن من البلد الآخر. وتتوقع الحكومتان أن يساهم تحرير نظام التأشيرات في تحسين الاتصالات بين شعبي البلدين، إضافة إلى العلاقات التجارية التي باتت تحظى اليوم باهتمام أكبر من حكومتي البلدين. والجدير بالذكر في هذا الصدد أنه كانت ثمة محاولة خلال الأشهر القليلة الماضية على كلا الجانبين لبحث موضوع التجارة وتسهيل العلاقات الاقتصادية بدلاً من العلوق في المشاكل السياسية المعقدة مثل مشكلة كشمير أو جعل منطقة «سياتشين» الجليدية منزوعة السلاح، والتي يرفض كلا البلدين التخلي عنها. وهذه الاستراتيجية أثبتت أنها ناجحة في الوقت الراهن. فقد خطا البلدان خطوات صغيرة على طريق تحسين التجارة من خلال مبادرات من قبيل زيادة كمية السلع التي يمكن تبادلها بين الهند وباكستان، وكذلك السماح للشركات الباكستانية بالعمل والازدهار في الهند. ولكن مما لاشك فيه أنه لابد من معالجة المشاكل العالقة المتبقية بين الهند وباكستان في الوقت المناسب. صحيح أن رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج استبعد القيام بزيارة إلى باكستان قريباً بدون تحقيق نوع من التقدم الملموس إلى الأمام في العلاقة بين البلدين. ذلك أن جروح هجمات مومباي 2008 لم تشف بعد في الهند، والسير البطيء لمحاكمة المتهم بارتكاب الهجوم في محكمة باكستانية، يغيظ الهند ويثير حفيظتها. ولكن البلدين يتقدمان معاً إلى الأمام ببطء، ويُظهر ذلك أنهما يسيران في الاتجاه الصحيح حتى لو كان الأمر يتطلب وقتاً أطول للوصول إلى الوجهة النهائية.