تتشارك الدول العربية ودول أميركا اللاتينية في العديد من الاهتمامات المتعلقة بالتقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي. فكلا المنطقتين شهدتا في العقود الأخيرة تحولات سياسية وتقدماً اقتصادياً وتقنياً هاماً، من الممكن إثراؤه عبر زيادة التبادل المشترك في القطاعات الاقتصادية الرئيسية. وبما أن تحديات التطوير الاقتصادي والمؤسسي عادة ما تتوازى مع الحاجة إلى تطوير خطط جديدة لضمان الأمن والاستقرار، يمكن القول إن مجتمعات الدول العربية واللاتينية تمتلك خبرة ممتدة في التعامل مع رحلة البحث عن السلام والاستقرار الإقليمي والدولي. وكلا المنطقتين لديهما اهتمام مشترك بتطوير مناخ دولي للتعاون. وباعتبار أن الحوار هو الوسيلة لتحقيق التنمية المستدامة وتوطيد السلام في العالم، فقد تعددت في السنوات السابقة المنتديات واللقاءات العربية اللاتينية، في إطار تحديد الفرص المتاحة للتعاون. كما أن الدول العربية ودول أميركا اللاتينية تشكلان معاً ثلث أعضاء منظمة الأمم المتحدة، وهما معاً يمكن أن يقودا الجهود لبناء شراكة قوية تعود بالنفع على هذه الدول وتعزز مواقفها في المحافل الإقليمية والدولية. ومعاً يمكنهما تحسين صوتيهما في المنصة العالمية والمؤسسات الدولية. يجب ألا ننسى بأن العرب الذين هاجروا إلى بلدان أميركا اللاتينية انخرطوا بسهولة في مجتمعاتها، وتبوؤوا مراكز اقتصادية وإدارية وسياسية حساسة جدا. كما أن أغلب دول أميركا اللاتينية اليوم تعيش ظاهرة وصول أحزاب اشتراكية ليبرالية متمسكة بمصالح بلادها، وترغب بفتح حوار حقيقي مع المجتمعات العربية التي تعيش حراكاً ديمقراطياً، رغم الانتكاسات الحاصلة في بعضها. هذا على الصعيد العام. أما على الصعيد المحدد، فقد اختتمت، خلال الأسبوع الماضي، في أبوظبي، أعمال منتدى "آفاق التعاون بين العالم العربي وأميركا اللاتينية" في نسخته الرابعة، تحت شعار "الشراكة من أجل التنمية" برعاية الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة، والدكتور ليونيل فيرنانديز الرئيس السابق لجمهورية الدومينيكان ورئيس "المؤسسة العالمية للديمقراطية والتنمية"، وسط حضور دولي من كبار الشخصيات السياسية والدبلوماسية والمالية يمثل الدول العربية ودول أميركا اللاتينية. وفي كلمته، أكد الشيخ نهيان بن مبارك على أن "عقد المنتدى تعبير وإدراك، بأن التعاون المرجو، بين المنطقة العربية وأميركا اللاتينية، لابد أن يرتكز بالأساس، على التعليم، والبحث العلمي، والحوار الهادف، وتبادل وجهات النظر، بانفتاح وموضوعية". وأضاف: "بالرغم من بعد المسافات الجغرافية، هناك إدراك كامل بأهمية تقوية العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بيننا". وقد أكد المعاني ذاتها الرئيس فيرنانديز. ومن أبرز ما ركزت عليه جلسات المنتدى سبل تعزيز الأواصر الثقافية والعلاقات التعليمية بين المنطقة العربية وأميركا اللاتينية، وذلك عبر محورين؛ الأول حول التواصل التعليمي والثقافي والتبادل الطلابي كأساس لتفاهم طويل الأمد، والمحور الثاني خصص لمعالجة فرص التعاون العلمي والتبادل الأكاديمي بين المنطقتين، حيث ركز الحوار على أن أحد العناصر الضرورية في الشراكة الجديدة هو حاجة كل من العالم العربي وأميركا اللاتينية لبناء علاقات أكاديمية وتعليمية وثقافية أقوى، باعتبار أن التواصل بين العلماء والمفكرين والتعاون بين المؤسسات الأكاديمية، وغيرها من المؤسسات التعليمية، يشكل جسراً مهماً لتعزيز شراكة التطوير العربية اللاتينية. فهناك حاجة ماسة لدراسة هويات وثقافات بعضهم بعضاً، وفوق هذا كله لغات بعضهم حتى يتسنى لهم التواصل وتعزيز التفاهم. وتعد ترجمة الأعمال الأدبية والعلمية بين كلا الثقافتين من أبسط الأمور المطلوبة وأهمها في الوقت ذاته، لكنها تتطلب اهتماماً عاجلاً. ويمكن للعالم العربي وأميركا اللاتينية جذب نسبة كبيرة من الشبان وتطوير شبكة من أجل خلق شراكة واسعة بين المنطقتين في المستقبل. كما بحث المنتدى كيفية تطوير تفاعل ثقافي بين العالم العربي وأميركا اللاتينية في مجالات التعليم والمنح العلمية والثقافة والفن. كذلك، تم تسليط الضوء على التعاون الأكاديمي والعلمي والتعليمي والمشاريع المشتركة والتفاعل. وكما تناول المنتدى مسألة كيفية تحسين الشراكة العربية اللاتينية من أجل التنمية في كلا المنطقتين، تناول أيضاً محورين، أولهما العمل معاً لدعم الأهداف المشتركة بين العالم العربي وأميركا اللاتينية على المستويات الدولية المختلفة، في حين تناول المحور الثاني التنسيق الدبلوماسي بين العالم العربي وأميركا اللاتينية، باعتباره أداة لتقوية العلاقات الدولية وإيجاد الحلول للمشاكل العالمية ولمشاكل المنطقتين. وبالفعل، شددت مداخلات المشاركين على أهمية الفرص الاقتصادية التي تزخر بها البلدان العربية ودول أميركا اللاتينية، مؤكدةً أن هذه الفرص الواعدة "لم تستغل بعد من أجل تقوية الروابط التجارية والاستثمارية وإرساء شراكة ناجعة بين المنطقتين تهم مختلف المجالات"، حيث إن المنطقتين تمثلان "أسواقا اقتصادية كبيرة" بالنظر إلى إمكاناتهما ذات الصلة بقطاعي التصدير والاستيراد، وبإرساء تعاون اقتصادي استراتيجي بين دول المجموعتين، بما يمكن من تطوير اقتصادياتهما وتعزيز تنافسيتهما على الصعيد العالمي. إن هذا النوع من المنتديات يعتبر بحق منصة إقليمية عالمية تسهم في خلق فرص جديدة لتعزيز أطر التعاون الدولي في المجالات العديدة آنفة الذكر من أجل بناء تنمية وسلام مستدامين. وهي كذلك منابر تؤكد التزام قادة أميركا اللاتينية ومؤسسات المجتمع المدني بالتعاون مع قادة في المجتمعات العربية وفروعها المدنية، من خلال التحالف الاقتصادي، وتحسين التبادل التجاري لتمتين الروابط الثقافية وتعزيز علاقات أوسع في العديد من المواضيع ذات الاهتمام الثنائي. فبالتعاون البناء يمكن للقادة العرب وأصحاب القرار والفعاليات المجتمعية، بالاشتراك مع قادة أميركا اللاتينية، من سياسيين ومجتمع مدني، تشكيل دور محوري في تطوير شراكة وثيقة بين المنطقتين. إن أهمية هذا المنتدى أنه أطلق "إعلان أبوظبي" الذي أنشأ مجلسا للعلاقات بين الدول العربية ودول أميركا اللاتينية لتسهيل الشراكة بين المنطقتين العربية واللاتينية بما يحدد أطر التعاون المؤسسي. وبعبارة موجزة: أنتج الحوار، هذه المرة، إطاراً عملياً كفل الاستفادة من خلاصات الحوار وآفاق التعاون التي طورها المنتدى!