تحدث مسؤول رياضي عن المنتخبات المشاركة في الأولمبيات العالمية، عن ضرورة رؤية علم الوطن عالياً فوق رايات الحزبية والطائفية والدينية والعرقية. فالنزاعات أو الاختلافات، والخلافات الدينية شيء، والحفاظ على وحدة الوطن في جميع المحافل شيء آخر، فالخلط بين الأمرين يضر بالوطن أولاً وأخيراً. ومدار هذا الطرح الجوهري جاء بسبب تكريس البعض للمذهبية والطائفية في بعض المجتمعات التي يتكون نسيجها الاجتماعي من مختلف الأديان والمذاهب والعقائد السماوية، وغيرها من الأفكار البشرية التي يؤمن بها الأفراد وقد يتخذها البعض ديناً وديدناً يبني عليها حاضره ومستقبله. عندما يكون الوطن لدى الجميع رأس حربة، فإن حامل الحربة أو عمودها، مهمته الدفاع عن ذلك الرأس والدفع به دائماً في المقدمة وعدم السماح لكائن من كان بإزالة الرأس عن مكانه أو تثبيته في غير محله، فالوطن في المقدمة وبقية عناصره ميمنة وميسرة وقلباً لحماية تلك المقدمة من التراجع. حديثنا لا ينصب على الرياضة وإن كانت الرياضة جزءاً من ميادين إبراز الوطن على الملأ العالمي، فكل مجالات العمل والإبداع في المجتمع بحاجة إلى ترسيخ جذور الوطنية في ثناياها وإزالة كل العوامل الثانوية التي تشكل صفات العوامل البشرية من أمام إبراز الوطن في كل المناشط والمحافل، ومن يأبى، فإن من حق الوطن عليه ألا يقدم في ذلك بل يؤخر أولاً ثم يصوب، فإذا امتنع فمصيره بيد القوانين والتشريعات النافذة في أي مجتمع، فإن أصر على الإباء فإنه فتنة وجب اجتثاثها من "عكرها" قبل استفحال شررها وشرورها في بقية أروقة المجتمع الذي يعد السلم الاجتماعي جزءاً من كيانه لممارسة الحياة فيه دون معكرات من دين يساء فهمه وحزب يغالي في مصالحه وطائفة تنتفخ على حساب مصلحة الوطن الأسمى. إن التربية الوطنية اليوم يجب أن تأخذ دوراً جديداً في حياة جميع أفراد المجتمع لأن المرحلة التي يمر بها العالم العربي استثنائية، وما يطرح من خلالها قد لا يكون خيراً بادياً، وإن سمي لدى البعض ربيعاً أو تغييراً، لأن ميزان التغيير لم يكن عادلاً ولامنصفاً، وما نراه في الميادين لايسر عاقلاً ولايرضي حكيماً يعيش في بحر الفلسفة، بل في أتون الحياة وعراكها. فأي تغيير إيجابي نراه اليوم أمام الأنظار منذ أن بُشِّرنا بحصاد "الربيع العربي" ولم يخرج منه حتى الآن إلا المرارة التي يراد نزعها بذات الثورة الأولى، على رغم أن النتائج أذاقت الفرحين بها حصرماً، وكان المأمول عسلاً مصفىً. فالتراجع عن هذا النهج الثوري يجب أن يكون أولى الأولويات الآن حتى لا تتحول أجزاء العالم العربي إلى قطع الشطرنج يتلاعب بها أصحاب الأيديولوجيات المليئة بالتشظي وإن كانت دعواهم خلافة ضُيِّعت منذ قرون وتشتتت لأسباب تبرز اليوم من جديد لتبرر ما يحدث من تفريق بين الشعوب وحكامها وترويج شعارات من أحقاب التاريخ الموغلة. إن ما نراه اليوم من أحداث هو استنساخ لماض لا يمكن غرسه في حاضر تغيرت تفاصيله، ومستقبل لا يعترف بالعودة إلى الوراء للبناء، لأن كل المجتمعات المتقدمة والتي وصلت إلى مبتغاها جعلت مصلحة الأوطان هي الحصان الرابح الذي يقودها إلى بر الأمان، بعد أن تخلصت من عفن الأفكار البالية ورمتها في سلة مهملات التاريخ، ولم تقبل حتى بإعادة تدويرها لأنها من صنف الملوثات لا أكثر.