يشير مصطلحا «السياسة» و«السلطة» في علم الاجتماع، إلى معنيين مختلفين عما يُشيران إليه في اللغة الدارجة والموضوعات الأخرى. ويلاحظ علماء الاجتماع الفرق الكبير بين "السلطة" التي تعني شق الفرد طريقه في المجتمع وقدرته على تحقيق رغباته وإقناع الآخرين بفعل ما يريد، والسياسة التي تعني المعركة أو الصراع على السلطة بين جماعات مختلفة. لكن ما هي القضايا السياسية المهمة بالنسبة لدراسة علم الاجتماع؟ وهل نحتاج حقاً إلى فهم السياسة كي نفهم المجتمع حق الفهم؟ وهل يستطيع أفراد المجتمع التأثير في عملية التحول السياسي؟ كتاب "السياسة والسلطة" الذي نعرضه هنا، يمنح قراءه مدخلاً إلى الأفكار والموضوعات الرئيسية في علم الاجتماع السياسي، وهو يجمع بين الشرح المبسط والتحليل المتعمق معاً، لمناقشة نظريات علماء الاجتماع القدامى والمعاصرين، مبيناً كيفية تطورها وإعادة تفسيرها وتقويمها تبعاً لتحولات المجتمع الغربي. كما يقوم بالتعريف والمناقشة والتقويم لما هو مقصود بالسلطة، وتحليل المشهد السياسي المعاصر وأيديولوجيات الأحزاب السياسية المختلفة، ودراسة أنماط التصويت، والتساؤل حول علاقة ذلك بالمجتمع، ودراسة قضايا العولمة والتأميم، ومدى تأثيرهما في صوغ المجتمعات المعاصرة. ويورد الكتاب آراء علماء الاجتماع في تحديد مفهوم السلطة: ماهيتها ومفعولها؛ حيث يذهب بعضهم إلى تحديد خمسة مجالات أو مستويات في المجتمع: - "السلطة وأسلوب الممارسة" (الأفراد): ما مدى السلطة التي يمارسها الأفراد العاديون على تصرفاتهم اليومية؟ - "السلطة والمؤسسة" (المجتمع): ما مدى قوة العلاقات القائمة على النفوذ داخل البناء العام للمجتمع ككل؟ - "السلطة والسيطرة": ماذا يمكن أن يحدث في حالة خروج الشعب على النص؟ - "السلطة وتخويل الصلاحيات": هل يمكن استخدام السلطة أداةً ضد الآخرين أو وسيلة لاتخاذ القرار بشأنهم أو بالنيابة عنهم؟ - "السلطة والهوية": كيف تسهم السلطة أو الصراع عليها أو الخضوع لها، في تشكيل شخصية الفرد؟ بينما حدد آخرون طريقتين لآراء علماء الاجتماع حول السلطة ودورها في المجتمع: الأولى: أن اكتساب السلطة يتحقق بالصراع والمقاومة المتوقعة من الآخرين. والثانية: أن السلطة هي نتيجة الاتفاق ومن ثم فإن أحداً لا يمتلكها بشكل كامل. وهما رأيان يمسان صميم نظريات علم الاجتماع، ويرتبطان بسؤال جوهري: هل تعيش المجتمعات في انسجام أم في صراع؟ وكما يوضح مؤلفو الكتاب فإن السياسة اليوم أصبحت مختلفة تماماً عما كانت عليه بالأمس، وإن هناك موقفاً شبه متناقض تجاه السياسة وكيفية صوغ القرارات في عالمنا المعاصر: فأولاً، تبدو الشعوب الغربية في معظمها راضية عما تعتقد أنه نموذج ديمقراطي في مجتمعاتها؛ بدليل أن خروج المظاهرات الاحتجاجية الكبيرة أمر نادر الحدوث. ويبدو ثانياً، أن معظم الشعوب ترى صعوبة تغيير أي شيء في مجتمعاتها الحالية، وأنه من العبث محاولة التغيير. ويخصص مؤلفو الكتاب، الفصول الأخيرة منه لتطبيق موضوع السياسة والسلطة على المملكة المتحدة، ويدرسون تغير الأيديولوجيات، وتحول الأحزاب السياسية فيها. ويشيرون إلى وجود اتفاق عام بين معظم المحللين على أن السياسة في المملكة المتحدة تغيرت تغيراً كبيراً؛ فتراجع التحالفات الحزبية التقليدية وظهور أيديولوجيات سياسية منقحة جديدة؛ يعنيان أن السياسة في بريطانيا في أوائل القرن الحادي والعشرين، مختلفة تماماً عنها في فترة الأربعينيات؛ فهناك إحساس بالتقلب فيما يتعلق بنتائج الانتخابات والقرارات التي يتخذها القادة السياسيون، ولكن كان هناك أيضاً إحساس بقدوم بداية جديدة. ويبحث الكتاب نوعية النظام السياسي في بريطانيا، وأفكار الأحزاب السياسية الرئيسية فيها، ويطرح بعض تفسيرات علم الاجتماع المعاصرة حول الظروف السياسية المتقلبة، مع التركيز على جوانب التغير. وأخيراً يتناول الكتاب في نهايته العولمة والقومية والثورة؛ حيث يرى عدد كبير من علماء الاجتماع أن من أبرز العوامل وراء ظهور المجتمعات الحديثة انتشار الدول القومية على مستوى العالم. ومع قيام الدول القومية، شهدنا ظهور القومية بوصفها أيديولوجية، وهي رؤية سياسية ترى أن الانتماء إلى دولة قومية معينة يفرز الهوية. وكانت النظرة إلى الدول القومية أنها كيانات مستقلة ذات سيادة، وقادرة على السيطرة وفرض النظام. ومع ظهور العولمة، أصبح وضع الدول القومية أقل وضوحاً، فماذا تعني القومية في عالم معولم؟ وماذا تبقى للدول القومية من سيادة في ظل الارتباط الشديد بعجلة الاقتصاد والسفر والتجارة والثقافة وعملية اتخاذ القرار السياسي؟ محمد ولد المنى الكتاب: السياسة والسلطة المؤلفون: جماعة الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2012