متاعب الاستفتاء... والكليشيهات المستنفدة ------- الاستفتاء على مشروع الدستور في مصر، والوضع السياسي الراهن في إيطاليا، وحرب الكليشيهات في سوريا... موضوعات نسلط عليها الضوء ضمن عرض أسبوعي للصحف البريطانية. ------- ثمن باهظ في افتتاحيتها يوم الأحد الماضي تحت عنوان «مصر والبناء على الرمال»، رأت «الجارديان» أن هناك مفارقة تتعلق بالاستفتاء الأخير الذي أجري على مشروع الدستور في مصر، تتمثل في أنه رغم كون الرئيس محمد مرسي قد كسب معركته في مواجهة المعارضة، عندما صمم على طرح المشروع للاستفتاء ونجح في تأمين الأغلبية له، فإنه خرج من تلك المعركة بصلاحيات أقل، وذلك بسبب الولادة المضطربة للدستور، والتي نتجت عن كونه فاجأ الجميع في البداية بإعلان دستوري يحصن اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور ضد الحل، ثم دفع تلك اللجنة للانتهاء منه على عجل، رغم انسحاب العديد من أعضائها احتجاجاً على إدخال مواد لم تتم مناقشتها في اللحظات الأخيرة، أو إجراء تعديلات على مواد من دون موافقة الأعضاء عليها. وهذا الإعلان من جانب مرسي أدى إلى غضب القضاة الذين صممت غالبيتهم على عدم المشاركة في الإشراف على الاستفتاء على الدستور لنزع المشروعية عنه، مما أجبر الرئاسة على إجرائه على مرحلتين كما أدى- الإعلان- كذلك إلى اندلاع اشتباكات واسعة النطاق بين مؤيدي مرسي ومعارضيه سالت فيها دماء. وأشارت الصحيفة إلى ما أعلنته «جبهة الإنقاذ» المعارضة، وهي تحالف يضم عدداً من الأحزاب العلمانية والشخصيات العامة، من أنها سوف تعمل على الطعن ضد الدستور بمجرد الإعلان عن نتيجته بسبب الانتهاكات العديدة التي شابته من ناحية، وبسبب أن عدد الكتلة الناخبة التي شاركت في الانتخابات لم تزيد عن 32,9 في المئة، كما أن النتيجة التي انتهى إليها الاستفتاء تعني أنه ليس هناك إجماع على الدستور حيث لم تتجاوز نسبة الموافقين عليه 63,8 في المئة. واختتمت الصحيفة قولها إنه إذا ما كان «الإخوان» يعتبرون أن نجاح الاستفتاء على الدستور يعتبر نصراً، فمما لا شك فيه أنه نصر باهظ التكلفة. وترى الصحيفة أن المهمة العاجلة التي تواجه مرسي في الوقت الراهن واضحة وتتمثل في العمل على الوصول إلى القوى والشرائح والجماعات الأخرى في المجتمع، سواء العلمانية أو المسيحية، من أجل الوصول إلى التوافق، وبدون ذلك فإن أي شيء يقوم به سوف يكون بمثابة بناء على الرمال. وضع معقد وتحت عنوان «ماريو مونتي جاهز لقيادة ائتلاف إصلاحي في إيطاليا»، كتب اندريا فوجت مقالا أشار في بدايته إلى ما صرح به ماريو مونتي، رئيس الوزراء الإيطالي الذي أعلن استقالته منذ أيام، مع استمراره في قيادة حكومة تصريف أعمال، من أن إيطاليا اليوم أفضل مما كانت عليه عندما تسلم المسؤولية من رئيس الوزراء الأسبق برلسكوني، لكنها تقف مع ذلك أمام مفترق طرق يتطلب «أكتافاً قوية قادرة على تحمل المسؤولية كما يتطلب أغلبيات ضخمة». وأبرزت الصحيفة ما قاله مونتي حول استعداده لتولي المسؤولية عندما قال: «أنا على استعداد لإعطاء موافقتي وتشجيعي بل وقيادتي إذا ما دُعيت لذلك»، وهو ما رد عليه أنجلينوا الفانو، الأمين العام لـ«حزب شعب الحرية» الذي يرأسه بيرلسكوني، والذي قال إن تصريحات مونتي، رئيس حكومة التكنوقراط غير المنتخبة التي حكمت البلاد، لا تترك مجالا للتعاون بين مونتي وبين الحزب، إذ من الواضح أنه يسعى إلى العودة إلى الحكم مجدداً عبر تحالف مع اليسار. ويشار في هذا السياق إلى أن مونتي باعتباره يحمل لقب «سيناتور مدى الحياة»، ليس من حقه الترشح رسمياً للانتخابات التي ستجري في فبراير القادم، لكن النظام الانتخابي الإيطالي يسمح له بتولي رئاسة الوزارة إذا ما تلقى طلباً بذلك من الحزب الفائز في الانتخابات. وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم حقيقة أن أداء مونتي قد نال رضا الشعب الإيطالي والزعماء الأوروبيين الآخرين الذين أعربوا عن ثقتهم فيه، فإن الأحوال الاقتصادية لم تتحسن كثيراً حيث لا يزال الاقتصاد الإيطالي يعاني من الركود وما زالت البطالة ثابتة عند نسبة 11 في المئة. وأشارت كذلك إلى أن النقد الشديد الذي تعرض له من حزب بيرلسكوني ومن آلة دعايته الجبارة هي التي دفعته لخروج متعجل من منصبه على نحو لم يكن يخطط له، حيث كان يريد خروجاً مشرفاً بصورة أفضل يضاف لرصيده السياسي. ونوهت الصحيفة إلى أن يوم الحادي عشر من يناير القادم هو اليوم الأخير لتلقي القوائم الانتخابية، وعندها يعرف المواطن الإيطالي ما إذا كان ائتلاف مونتي سوف يتحالف مع زعيم «الحزب الديمقراطي» بيير لويجي الذي يتقدم على غيره من المنافسين في استطلاعات الرأي، حيث يمكن للزعيمين بما يمتلكانه من ثقل إلحاق الهزيمة بحزب بيرلسكوني،أم أنه لن يحدث تحالف بينه وبين لويجي وتتحول الانتخابات عندها إلى سباق انتخابي بينهما وبين حزب بيرلسكوني الذي نجح في كسب بعض الدعم في الآونة الأخيرة. حرب الكليشيهات «نصيحة حول الشرق الأوسط... لقد وصلنا إلى النقطة الفاصلة فيما يتعلق بالكليشيهات»، كان هذا هو العنوان الذي اختاره الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك لمقاله المنشور في صحيفة «الإندبندنت» يوم الأحد الماضي، والذي تناول فيه أوضاع البلاد التي مرت عليها رياح ما يسمى «الربيع العربي»، وكيف أن سقف الآمال لدى شعوبها عندما قامت باحتجاجاتها الثورية كان مرتفعاً، حيث اعتقدت حينها أن كافة المشكلات التي تعاني منها سوف تختفي مع النظم الجديدة التي ستصعد إلى سدة الحكم، وهو ما لم يحدث. فالوعود التي قدمتها القوى السياسية الجديدة، وغالبيتها إسلامية، لم تتحقق، وبدا أن تلك القوى تنحو نحو تكوين ديكتاتوريات جديدة تحل محل الديكتاتوريات السابقة، إذ أخفقت إخفاقاً ملحوظاً في التصدي للمشكلات القائمة وبعضها عويص إلى درجة أثارت الاحتجاج ضدها من قبل الجماهير التي باتت تطالب في مظاهراتها برحيل تلك الأنظمة. وهذا الوضع ينطبق إلى حد كبير على أول دولتين شهدتا انطلاق «الربيع العربي»، وهما مصر وتونس. يمر الكاتب بعد ذلك سريعاً على ما حدث في ليبيا وكيف أن الأمور في ذلك البلد قد ساءت لدرجة أن الولايات المتحدة باتت غير قادرة على تأمين بعثاتها الدبلوماسية هناك بسبب فشل القادة الذين جاءوا عن طريق الانتخابات في بسط الأمن وهيبة الدولة، وكيف أن ذلك البلد الشاسع المساحة بات مهدداً بالانقسام. ثم ركز الكاتب على الوضع السوري وذكّر القراء بالعبارات التي كانت تقال في بداية الانتفاضة ضد نظام حكم الأسد، والصفات التي كان القادة الغربيون يصفون بها الأسد، ومنها «أنه رجل لا يستحق الحياة في هذا العالم» على حد تعبير وزير الخارجية الفرنسي فابيوس، أو «أنه يجب أن يتنحى عن الحكم فوراً» كما قال غيره. ثم انتقل للحديث عن المعارضة السورية وكيف أن وسائل الإعلام الغربية كانت توحي بأنها قد باتت على وشك إسقاط نظام الأسد عندما كانت تقول إنها قد استولت على حلب، أو استولت على حماه، أو حررت حمص، أو أنها على وشك الزحف على دمشق لإطاحة الأسد... قبل أن يتبين بعد ذلك أن تلك المقاومة تضم منظمات متطرفة، وأخرى إرهابية تابعة لـ«القاعدة»، تمارس عمليات قتل لا تقل بشاعة عن تلك التي يمارسها النظام. وفي نهاية مقاله دعا الكاتب الزعماء الغربيين ووسائل الإعلام الغربية إلى التوقف عن استخدام بعض الكليشيهات التي دأبت على استخدامها بكثرة مثل: «معتدل»، «الديمقراطية»،«يتنحى عن الحكم»، «نقطة الحسم»،« الوقوع في الأيدي الخطأ»، «تحكم الخناق»، «تفيض تداعياته على الجوار»، «الخيارات المطروحة على الطاولة»، و«الإرهاب». ويعبر الكاتب عن قناعته بأن دعوته تلك قد لا تحقق المرجو منه لسبب بسيط وهو أن عدد تلك الكليشيهات أكبر من أن يتم التخلص منها مرة واحدة، فضلا عن أنه حتى إذا ما تم التوقف عن هذه الكليشيهات فسوف تظهر طائفة أخرى من الكليشيهات لتحل محل هذه الموجودة التي استنفدت الغرض منها، وباتت هناك حاجة بالتالي إلى كليشيهات أخرى لأغراض مختلفة. إعداد: سعيد كامل