تسعى دول مجلس التعاون الخليجي للتعامل بصورة جماعية مع التداعيات الناجمة عن العلاقة الوثيقة ما بين التنمية الاقتصادية والتغير المناخي، تلك العلاقة التي تجد لها انعكاسات متزايدة وتؤثر بصورة كبيرة في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير مصادر الطاقة والتنوع الاقتصادي. ويطلق البعض على مثل هذا التوجه المستقبلي «الاقتصاد الأخضر» الذي يقوم على أسس من التنمية المستدامة التي تضمن إمدادات دائمة من الطاقة النظيفة والمواد الأولية اللازمة للنمو، وذلك من خلال المحافظة على الموارد المتاحة مع عدم الإضرار بالبيئة والتقليل قدر الإمكان من الانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية على التنمية. وتلقى مثل هذه الجهود اهتماماً متزايداً على صعيد كل دولة وتكتل اقتصادي وعلى صعيد الأمم المتحدة التي عقدت مؤتمرها الثامن عشر للتغير المناخي مؤخراً في العاصمة القطرية الدوحة، حيث قدمت أربع من دول مجلس التعاون الخليجي، وهي الإمارات والسعودية وقطر والبحرين، ولأول مرة بياناً تاريخياً مشتركاً إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي تتعهد بموجبه دول التعاون الأربع بتطوير خطط للتنوع الاقتصادي لا تضر بالمناخ. ويملك البرنامج الذي قدمته الدول الخليجية الأربع مصداقية كبيرة وآفاقاً جيدة للتنفيذ، فمن بين البلدان العربية والنامية تملك معظم دول مجلس التعاون برامج طموحة لتطوير مصادر الطاقة النظيفة، فدولة الإمارات خصصت مبلغ 62 مليار دولار لتطوير الطاقة المتجددة، وبالأخص الشمسية، بل إن جهود الإمارات في هذا الجانب امتدت لتشمل المساعدة في تنفيذ مثل هذه المشاريع في بلدان أخرى، كبريطانيا وإسبانيا، في حين خصص صندوق أبوظبي للتنمية مبلغ 184 مليون درهم لتمويل مشاريع طاقة متجددة على شكل قروض ميسرة في البلدان النامية. أما السعودية، فقد قدرت الاستثمارات المتوقعة في الطاقة الشمسية بـ 109 مليارات دولار لإيجاد مصادر دائمة ونظيفة للطاقة للحد من انبعاثات الكربون وتداعياته الاقتصادية السلبية، في حين خصصت قطر 20 مليار دولار لتطوير مصادر الطاقة النظيفة وتحديداً الطاقة الشمسية، كما تسعى البحرين إلى اعتماد مشاريع مشابهة، مما رفع عدد مشاريع الطاقة النظيفة المزمع إقامتها في دول المجلس إلى 30 مشروعاً. ولذلك، فإن الاتفاقية الجديدة التي تقدمت بها البلدان الأربعة لمؤتمر الأمم المتحدة تعني الكثير للبرامج الخليجية في مجال إنتاج الطاقة المتجددة وما يترتب عليها من تنمية مستدامة، فهذا التوجه الخليجي المستقبلي يحمل بين طياته عملاً خليجياً مشتركاً قادراً على التعامل مع إحدى أهم التحديات التي تواجهها بلدان العالم، فالتغيرات المناخية أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وكلفت العالم خسائر جسيمة من جراء الكوارث الطبيعية الناجمة عن ذلك. وضمن أمور عديدة، فإن التنسيق الخليجي في هذا الجانب سيؤدي إلى تخفيض تكاليف هذه البرامج وإلى إقامة مراكز خليجية مشتركة للبحث والتطوير وتوطين تقنيات إنتاج الطاقة النظيفة ووضع الدراسات اللازمة للحد من تأثيرات التغيرات المناخية على الاقتصادات الخليجية والاستخدام الأمثل للمصادر الطبيعية. وإلى جانب ذلك، فإن إقامة وتنمية الصناعات الحديثة والأقل إضراراً بالبيئة والمعتمدة على التقنيات المتطورة والطاقة النظيفة تعتبر صناعات كثيفة رأس المال، أي أنها تتطلب رؤوس أموال كبيرة جداً، ربما لا تتاح لكافة دول المجلس بصورة منفردة. ومن هنا بالذات تأتي الأهمية الكبيرة للعمل الخليجي المشترك الذي تضمنه بيان البلدان الخليجية الأربعة لمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي. ومع أن انضمام كل من الكويت وعُمان لهذا البرنامج في المستقبل تعتبر مسألة وقت، وذلك بحكم وجودهما ضمن التكتل الخليجي وترابط مصالحهما الاقتصادية بصورة وثيقة مع مصالح بقية دول المجلس، إلا أن سرعة انضمامهما ووضعهما لبرامج تطوير للطاقة النظيفة ستسدي خدمة كبيرة لضمان إمدادات الطاقة في هذين البلدين وتدعيم أسس التنمية المستدامة فيهما.