تواجه الولايات المتحدة أزمة في نظامها السياسي لأن الحزب الجمهوري وخصوصاً ممثليه في مجلس النواب لم يعد حزباً طبيعياً قادراً على ممارسة مهام الحكم. ففي النظام الديمقراطي الذي تنقسم فيه الصلاحيات بين غرفتين للكونجرس والذي ينقسم بين الأحزاب، يكون الحزب الطبيعي هو الحزب الذي يقبل بأن الحلول الوسط والتوافقات هي الطريقة الوحيدة للتشريع. والحزب الطبيعي هو أيضاً الحزب الذي يأخذ نتائج الانتخابات في الحسبان، ويعترف بأن الحزب الآخر قدّم تنازلات عديدة وأن الواجب يحتم عليه أن يقدم هو الآخر تنازلات مماثلة. والحزب الطبيعي في نهاية المطاف هو الحزب الذي يقبل بالمسؤولية. إذا نظرنا إلى كل ذلك وأخذنا في حسباننا جميع المعايير، فإننا سنتوصل إلى أن الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب التي يقودها جون بوهنر هي أغلبية غير طبيعية. نعم غير طبيعية لأن ذلك هو المعنى الوحيد الذي يمكن إطلاقه على فشله في حشد عدد الأصوات اللازم لما يعرف بـ«الخطة ب» أو «الخطة البديلة» التي يمكن اللجوء اليها لمواجهة الهاوية المالية التي يمكن أن تتجه إليها أميركا. والأسوأ من ذلك أن الغالبية العظمى من الأعضاء الجمهوريين الراديكاليين في مجلس النواب يعتقدون أنهم يمتلكون الحق في استخدام أي وسيلة يريدونها لفرض رؤيتهم وآرائهم على البلد بأسره، ليس في الحالة التي يكونون فيها الأغلبية في الكونجرس وإنما أيضاً في الحالة التي يكونون فيها مجرد أقلية. وعلى الرغم من تلك الفوضى والتشوش، يمكننا استخلاص بعض الأنباء الطيبة، ومنها على سبيل المثال أن الجناح اليميني في الكتلة الجمهورية في مجلس النواب قد اختارت بمحض إرادته أن يقوم بتهميش نفسه وعدم الدخول في أي مفاوضات جدية. والغالبية الوحيدة الجاهزة للعمل وتمرير مشروعات القرارات في المجلس، وخصوصاً ما يتعلق منها بالميزانية، هي عبارة عن ائتلاف يضم معظم الديمقراطيين مع هؤلاء الجمهوريين الذين لا يزالون يتبنون الرأي الأصيل الذي يقول إنهم قد انتخبوا لكي يساعدوا في إدارة البلاد. ولكي نتلافى السقوط في الهاوية المالية في الأجل القصير على أقل تقدير، فإن هذه الأغلبية بحاجة للسماح لها بالعمل وفقاً لإرادتها. والنتيجة التي يمكن الخروج بها من خلال ذلك سوف تمثل بكل تواضع حلا أكثر تقدمياً من الحل الذي عرضه أوباما على بوهنر وهو عبارة عن صفقة تتضمن أجراء عدد أقل من الاستقطاعات وتحقيق مقدار أكبر من العوائد. وهذا هو الثمن الذي سيدفعه الجناح اليميني في الكتلة الجمهورية في مجلس النواب لرفضها ممارسة الحكم من خلال إحجامها عن الدخول في مفاوضات جدية بشأن الموضوعات الرئيسية التي تهم البلاد. وفي المدى الطويل سوف يحتاج الجناح غير المنتمي لحركة «حفل الشاي» إلى أن يقرر ما إذا كان سيخضع لنزوات زملائه الأكثر يمينية التي لا تتوقف أم ينظر إلى الوسط بحثاً عن الائتلافات والتوافقات مع الديمقراطيين. والاختيار المطروح أمامهم واضح، وهو أنه يمكنهم قضاء عامين اعتباراً من الآن في حالة كسل وجمود لا يفعلون فيها شيئاً أو المحاولة بدلا من ذلك للمشاركة في حل المشكلات العويصة التي يواجهها وطنهم. من تلك المشكلات على سبيل المثال موضوع عنف السلاح، وهل سيرفض الحزب الجمهوري تطرف رئيس الجمعية الوطنية للبنادق» واستجابته البالغة الغرابة لحادث قتل التلاميد في مدرسة ساندي هوك الابتدائية في نيوتاون في كونيكتيكيت. اللحظة الداعية للأسى هي عندما نحصل على أدلة تؤكد وتثبت، كما يقول اثنان من زملائي هما توماس مان ونورمان أورنشتاين، أن الجمهوريين اليوم يختلفون اختلافاً جوهرياً عن أسلافهم. وفي كتابهما الذي يحمل عنواناً ملائماً تماماً لحالة الجمهوريين، وهو «إن الأمر أسوأ مما يبدو عليه»، يصف مان وأورنشتاين الحزب الجمهوري الحالي بأنه «حزب متباعد ومتمرد في المشهد السياسي الأميركي». ليس هذا فحسب بل وصفا الحزب كذلك بأنه «حزب متطرف أيديولوجياً يحتقر التسويات ولا يبالي بشرعية المعارضة السياسية له». والحقيقة أن الوصف الذي قدماه للحزب هو الوصف الدقيق للأسباب التي جعلت من بوهنر عاجزاً على حشد الأغلبية اللازمة لمشروع الميزانية المقدم منه. صحيح أن بوهنر قد أخطأ الحساب وطلب بغباء من الجمهوريين التصويت لزيادة رمزية في الضرائب لم يكن لديها أي فرصة للتحول لقانون، كما أنه ساعد على تأجيج نيران التمرد من خلال تقديمه ادعاءات متكررة زائفة بأن أوباما لم يقدم تنازلات ذات معنى، في حين أن الحقيقة هي أن الرئيس قد أزعج قاعدة تأييده من خلال تقديم تنازلات أكبر مما كانوا يعتقدون أنه سوف يقوم بتقديمه. نحن الآن نعرف، على الأقل شيئاً مهماً وهو أن الأغلبية الجمهورية الحالية في مجلس النواب غير قادرة على ممارسة الحكم، وأن تكوين ائتلاف عابر للخطوط الحزبية هو الشيء الوحيد الذي يتيح ذلك الحكم وتحقيق مصالح الجمهور. -------- إيه جيه ديون جي آر كاتب ومحلل سياسي أميركي -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»