في المقالات السابقة حول الثورة السورية، ذكرنا مجموعة من الآثار السلبية والإيجابية لهذه الثورة، ولخصناها في 12 عنصراً سلبياً يقابلها 12 عنصراً إيجابياً. وهنا نركز على عناصر جديدة نختتم بها البحث في هذا الموضوع. 1-شوق الأمة إلى العدل: والعدل كم قابل للزيادة باضطراد، وعليه فإننا لا نريد دولة «إسلامية» بل دولة عدل. فلم يظلم الناس في التاريخ بأشد من ظلمات الدولة الدينية. وقد بقيت محاكم التفتيش تعمل بكامل الطاقة 520 سنة يُبعث خلالها الناس إلى المحارق، ويزعم فولتير حرق عشرة ملايين امرأة بتهمة السحر، مما دفع البابا يوحنا البولوني الأسبق لوصفها بـ«الجستابو» والـ«كي جي بي»، حيث دعا للنزول إلى أقبية الفاتيكان لتحري الحقائق في حركة نقد ذاتية غير معهودة. 2 ـ الاستقلال الفعلي: رغم أن سوريا نالت استقلالها رسمياً عام 1945، فالمشكلة هي في الفارق بين الاحتلال الأجنبي الذي يحرض على المقاومة، وبين الاستبداد الذي ابتلينا به مع عائلة الأسد. الفرق بين الاحتلال الخارجي والاستبداد الداخلي يشبه الفرق بين الالتهاب والسرطان في أربع؛ في البدء والمظهر والألم والعلاج... فالالتهاب سريع البداية واضح محمر مؤلم وينتهي بسرعة وبعلاج متوافر. أما السرطان فهو خفي البدء خفي المظهر غامض التطور غير مؤلم وإذا كشف متأخراً استحال علاجه. النظام البعثي سرطان رهيب، ولذا كانت عملية استئصاله نازفة جداً. 3 ـ إعادة بناء الدولة والمجتمع والأفكار: إننا أمام عملية تبديل دم ثقافي كاملة كما في أمراض الأجنة. الثورة أفرزت الناس والأولويات والأفكار. «البعث» كان قد اغتصب الدولة وارتهن الأمة. والآن تجد الثورة أمامها الكثير من العمل لإعادة ترميم الدولة وإصلاح المجتمع وولادة الإنسان الجديد المعافى من الأمراض والانحرافات والأمراض الأخلاقية. إنه عصر ولادة الإنسان والكف عن استيلاد فصيلة السنوريات وأخذ الحق بالذراع خارج دولة القانون. إنها نهاية دولة المخابرات والتقارير السرية والأحكام العرفية... أو هكذا نأمل. 4 ـ الثورة الأممية: ما يحدث في سوريا تشارك فيه روسيا والصين واليابان، أي أكثر من ربع الجنس البشري. الروس يقتلوننا بالرصاص والمدفع وطائرات الميج. ولذا فانتصار الثورة في سوريا سيقلب الأوضاع في روسيا وسيزيد مخاوفها من «الصحوة» في جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، خاصة أن هناك من أبناء الشيشان من يقاتل في صفوف الثورة السورية معتبرينها ثورتهم وكفاحهم ضد القيصر الروسي. 5 ـ انتشار الثورة: وسيكون هذا خلال السنوات العشر القادمة، حيث يتوقع أن تصل آثارها إلى أبواب موسكو وول ستريت، لأنها ظاهرة إنسانية نادرة ينتصر فيها شعب على أعتى الديكتاتوريات، وفي ظل سكوت مريب للعالم على المذبحة العارمة. 6 ـ عودة العرب إلى مسرح التاريخ: وسيكون ذلك خلال خمسين سنة القادمة؛ فالثورة موجات والبدايات غير النهايات. ومن المهم أن نعلم أن الحركات الإسلامية لم تعد «إخوان مسلمون» و«حزب تحرير» وصوفية وسلفية، بل هناك الاتجاه المعتدل والمنفتح على الغرب، لذلك نتساءل: هل ستدخل المنطقة الحداثة وعصر التنوير، أم تنكب على وجهها إلى نظام «طالبان» وملالي إيران، أم تحتذي النموذج التركي أو الماليزي؟ التاريخ عنده الخبر اليقين... «قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى».