ينطوي اللقاء الثقافي الوطني السابع، الذي نظّمته وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، مؤخراً، تحت عنوان «التغيّرات الاجتماعية وأثرها في ثقافة المجتمع»، على أهمية بالغة، ليس فقط لأنه كان فرصة لمشاركة نخبة من المثقفين وقادة الرأي وأساتذة الجامعات، لمناقشة الواقع الحالي للثقافة، وما تواجهه من تحديات على المستويات المختلفة، وإنما أيضاً لأن خلاصة النقاشات التي دارت في هذا اللقاء أكدت أهمية وضع استراتيجية للنهوض بالحراك الثقافي. لعل ما يعظّم أهمية وضع استراتيجية للنهوض بالثقافة هي تلك المتغيّرات العديدة التي يشهدها المجتمع، وباتت تؤثر بشكل أو بآخر في منظومته المجتمعية والتربوية والقيمية، سواء تلك المتعلقة بالأنماط الثقافية المرتبطة بالجنسيات العديدة التي تعيش في الدولة، أو تلك المرتبطة بثورة المعلومات والاتصالات وشبكات التواصل الاجتماعي، التي تندرج تحت ما يسمّى «عولمة الثقافة»، وهي الظاهرة التي تؤثر على الهُوية الوطنية والثقافية للمجتمعات المختلفة. المقترحات التي طرحها المشاركون في هذا اللقاء يمكن أن تشكّل نواة لصياغة استراتيجية وطنية للنهوض بالثقافة الإماراتية، لعل أبرزها، العمل على تفعيل دور المؤسسات الثقافية، وإعادة النظر في برامجها وأهدافها، وكذلك التنسيق في ما بينها بما يتناسب مع المرحلة الحالية التي تعيشها الدولة، ويحافظ على هويتها الوطنية، والعمل على توسيع المشاركة الشعبية في المشهد الثقافي بمختلف شرائح المجتمع، ووضع برامج لاكتشاف الموهوبين والمبدعين، وتهيئة المناخ أمامهم للتعبير عن أنفسهم أدبياً وفنياً، واتخاذ التدابير اللازمة للحماية من المخاطر السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت من مصادر نشر الأفكار والقيم الهدّامة. وفي خضم التحولات والمتغيرات التي تشهدها الدولة على المستويات كافة، أصبح الجانب الثقافي يأخذ حيزاً متنامياً، وعلى أعلى المستويات، وهذا ما يجسّده هذا اللقاء الثقافي الذي نظّمته وزارة الثقافة وشارك فيه العديد من الهيئات الحكومية والخاصة، بهدف صياغة استراتيجية وطنية للنهوض بالحراك الثقافي، من منطلق إيمانها بأهمية الثقافة، ودورها الكبير في التنمية بمفهومها الشامل، وما تمثله من جسر للتفاهم والتعارف بين الأمم والشعوب، وهذا ما يجعل من دولة الإمارات نموذجاً للتعايش والتوافق بين الثقافات كافة، يأتي إليها ملايين البشر للعيش على أرضها تحت مظلّة واحدة بغضّ النظر عن انتماءاتهم الثقافية والدينية والعرقية. لقد أولت «مرحلة التمكين»، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله اهتماماً بالمشروعات الثقافية، ليس لأنها تعكس الوجه الحضاري للدولة فقط، وإنما لأنها أيضاً أصبحت لا تنفصل عن أهداف التنمية بمفهومها الشامل، وليس أدلّ على ذلك من أن كثيراً من هذه المشروعات دخلت بقوة على خط التكامل مع مختلف قطاعات التنمية في الدولة، وأصبح لها مردودها الاقتصادي المهمّ، سواء بالنسبة إلى طابعها السياحي كمشروع «جزيرة السعديات» أو نتيجة لأنها توفر نافذة مهمة يمكن من خلالها الترويج لما تمتلكه الدولة من مقوّمات وإمكانات هائلة في مختلف المجالات، كالجوائز الثقافية الكبرى، مثل «جائزة الشيخ زايد للكتاب»، و«جائزة البوكر العربية للرواية»، إضافة إلى مشروع «كلمة» الذي يهدف إلى ترجمة نحو مئة كتاب سنوياً إلى اللغة العربية في مختلف حقول المعرفة في الشرق والغرب، وغيرها الكثير من المظاهر التي باتت تشكل في مجملها معالم النهضة الثقافية لدولة الإمارات. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية