يلملم العام أوراقه مودعاً، وكم كان عاماً حافلاً بكل ما يمكن وصفه بما يحيط بالإنسان أي إنسان. فالجراحات والآلام أكثر تأثيراً في الذاكرة، والموت هو ذاكرة جاهزة للاستدعاء قبل أي حدث سعيد آخر. وكان التعلق بالحياة رهيناً بالموت، النقيضان اللذان لا يعيش واحد منهما دون الآخر، فالتفاصيل التي كانت ذات يوم واقعاً وحاضراً وتحولت إلى ماض سيتم تذكرها كلما لاحت رائحة الأسى وأفشت سراً من أسرار الوقت، ألا شيء يقف عند حد وأن العجَلة تدور وتذهب نحو الغد رغماً عن أي كان. هذا العام كانت بدايته متوجسة... شاهدة على دماء سورية زكية طاهرة أريقت دون أن يكون لها أي ذنب، وكنا جميعاً شهوداً، لم نحرك ساكناً ضعفاً واستسلاماً وتحقيقاً لرغبة النظام، حتى وإن نامت أعيننا وقلوبنا تحقق بالدعاء لهم بالخلاص. وأزعم أن العرب أكبر من يلام على ما يحدث على أرض التاريخ والعروبة والإسلام، لأن الخذلان هو عنوان لأيامنا لهم وعلى رغم كل استنجادهم وحسن ظنهم فقد كانت السياسة أخبث من العروبة وأكثر جبناً من موقف جريء سيكتبه التاريخ وصفة لساسة يسيرون وفق أهواء نظام مجرم بكل المقاييس مخافة. تواطأت السياسة مع الجريمة، وخرج المتفرجون من دائرة الصراع غير المتكافئ، شعب أعزل بامتياز في مواجهة آلة عسكرية ضخمة وبلا قانون أو شروط تحدد حركتها. ثلاثة جيوش ضد شعب يموت جوعاً و برداً ووحدة وقتلاً على مرأى أعين العالم. المأساة السورية تحدث أمام أعين العالم الذي يلجأ لغض الطرف عن الدماء التي يزداد حجمها وبراءتها كل يوم. هذا العام هو ذاته الذي يشهد الجنون الدموي، يشهد أيضاً مخاضاً مصرياً عسيراً ولكنه سيتحول إلى منجز اقتصادي وسياسي مع الوقت، ومع مزيد من بذل الجهد والتسامح السياسي بين كل الأطراف. وهذا أيضاً عام استمرار للمعجزة الصينية التي تثير دهشة العالم بنمو اقتصادي فاق كل نظريات الاقتصاد، وكان موقف نظامها السياسي ضد الشعب السوري، وكأن التحالفات السياسية تعني أن نتخلى عن أبسط قواعد الإنسانية. وما زالت الرمال تتحرك مما يشي بمزيد من الولادات المتعسرة والبشارات بأن القادم أفضل وأن التغيير مهما بعدت عناوينه إلا أن الاقتراب منه وشيك. ولأنه عام غرق في الدم السوري، فإن العام القادم عليه أن يعلن امتلاءه... ودعوته لنصر جميل يستحقه الأحرار دون أن يطيل انتظارنا، وعليه أيضاً أن يحتفل سريعاً ببداية مبهجة تبعث على التفاؤل بأن الغد القريب ليس منتظراً بقدر ما هو الواقع، بل بما هو أجمل وأكثر قدرة على منح الاطمئنان. لا وداع لعام لا يستحق إلا البكاء. ومرحباً بعام مختلف، معنون بالانتصار لشعب طال ليله وآن أوان نقطة الختام لكوابيسه التي استمرت لعقود.