تناولت بعض وسائل الإعلام العربية أسباب التقارب بين السلفيين و«الإخوان المسلمين» في مصر، حيث إن هذا التحول فاجأ مجموعة من المهتمين بالحركات الإسلامية. يغيب عن بال كثير من المتابعين أنه منذ ثلاثة عقود تقريباً، والسلفيون أكثر من تيار، فسلفيو الكويت ليسوا كسلفيي المغرب، أو باكستان، وليسوا كسلفيي مصر الذين كانوا في الثلاثينيات والأربعينيات أقرب إلى الوهابيين منهم إلى علماء الأزهر. وكان سلفيو مصر (جماعة أنصار السنة) تيميِّيْن يميلون إلى مدرسة الحنابلة واختيارات كبار فقهائهم المتأخرين، وهم بدورهم ليسوا مثل سلفيي الستينيات والسبعينيات الذين عرفتهم الجزيرة العربية، حيث كانوا أقرب إلى مدرسة أهل الحديث منهم إلى الحنابلة، الذين كانوا يقتفون تعاليم المحدث محمد ناصر الدين الألباني، وعرفوا بـ«أهل الحديث» أو «السلف»، وكانت لهم مواقف صدام وخصام مع الحنابلة والفقهاء، و«الإخوان المسلمين». كان سلفيو الألباني لامذهبيين. وكان السلفيون في كل أطيافهم تجمعهم مسألة واحدة هي أنهم يرفضون الخروج على الحاكم المسلم الجائر والظالم، وإن رأوا فيه افتياتاً على الدين وحكم الشريعة، إذا كان في الخروج المسلح أو منازعة السلطان فساد كبير. هذا هو الذي كان يميزهم بشكل عام، عمن كان يصفهم جهيمان العتيبي -وهو قائد المحتلين للمسجد الحرام وكان سلفياً ألبانياً- بـ «أهل الغدر» قاصداً بهم «الإخوان المسلمين». غني عن الشرح أن الموقف من الحاكم إذا ظلم أو فسق أو ارتكب مكفراً، كان هو الباعث لطرح حزمة من المسائل الحساسة التي لا تزال حتى اليوم تشغل الإسلاميين عموماً، حيث إنه لا يمكن مناقشة قضايا الخروج على الحاكم دون تناول ضوابط التكفير التي تسوغ الخروج عليه، أو من دون مناقشة نواقض الدين ومسمى الإيمان، وأوصافه وواجباته ومكملاته. ولهذا بدأ الانشطار في صفوف السلفيين منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وكان للسلفية الناشطة في المنطقة العربية ثلاثة أوجه: سلفية الألباني، وسلفية مقبل الوادعي، والسلفية الحنبلية. وكان احتلال الكويت سبباً في إعادة تشكيل هذه التيارات السلفية، وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي سبقتها سنوات صعبة على السلفيين دفعت كثيراً منهم إلى خيارين، الجهاد المسلح، أو الانكفاء والدراسة ومراجعة الأفكار عبر فقه المقاصد وإعادة البحث في قضايا الخروج، وترافق كل ذلك مع ازدهار ما سمي بفقه الأقليات، والإسلام الحضاري، وراجت في الوقت نفسه آراء جودت سعيد حول اللاعنف، وبرزت أفكار جديدة حول الجهاد السلمي والجهاد الحضاري، ودراسة الديمقراطية والانتخابات البرلمانية، وكان السلفي الكويتي عبدالرحمن عبدالخالق اليوسف، سباقاً منذ بداية التسعينيات في إجازتها شرعاً. وعلينا ألا ننسى أن عبدالخالق كان ألبانياً. وكانت أحداث الجزائر الدامية سنوات التسعينيات، هي البوابة التي أقحمت السلفيين في مناقشة الديمقراطية بشكل جدي ربما لأول مرة. وكانت نتائجها الحزينة، سبباً في مزاج من الكآبة سيطر على الإسلاميين بلا استثناء، وأحدث شعوراً بالعزلة وتفكيراً بالمراجعة، ومن الغريب أن مجموعة ممن رأوا في أنفسهم أو رأى فيهم رفقاؤهم المهدي الموعود المنتظر كانوا سلفيين، وكانت فترة التسعينيات ربما هي أكثر الفترات التي شهدت هذه التنبؤات. السلفية المصرية العلمية استلهمت نهجها من مدرستين: السلفية الألبانية، والسلفية الحنبلية، لأنها امتداد لسلفية أنصار السنة المحمدية، ولهذا لم يكن غريباً أن نرى أن أهم رموزهم اليوم كانوا ممن قضى سنوات في السعودية والخليج، وهي فترة كانت من التأثير حداً جعلتهم يفضلون الثوب والعباءة الخليجية.