يجتمع قادة دول مجلس التعاون اليوم في العاصمة البحرينية المنامة في الدورة الثالثة والثلاثين وسط ظروف إقليمية حرجة وسيناقشون عدداً من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية القديمة والمستجدة إلا أن الأنظار تتجه لملف الاتحاد الخليجي، وهي الدعوة التي طرحها خادم الحرمين الشريفين في قمة الرياض للانتقال من التعاون إلى الاتحاد. فقد نصت المادة الرابعة من النظام الأساسي على أن الهدف من قيام المجلس هو تحقيق الاتحاد. فهل تشكل قمة المنامة منعطفاً في مسيرة المجلس؟ إن قيام كيان خليجي موحد قوي في منطقة تموج بالتحديات والمخاطر الخارجية من شأنه أن يعكس مكانة دوله في الاقتصاد الدولي ويحوله إلى قوة اقتصادية ومالية في أسواق النفط والطاقة الدولية، وأسواق الاستثمارات العالمية، وإلى قوة سياسية وعسكرية. لن يكون الاتحاد بين الدول الخليجية مستحيلاً وإن كانت تحوطها الصعوبات، فقد استطاع المجلس الصمود والاستمرار. صحيح، في الثلاثة عقود الماضية ظهر جلياً بطء الإنجاز في منظومة التعاون، كما برزت التباينات السياسية في توجهات وأولويات السياسة الخارجية لدوله، وكانت الدول تتقارب في وجه التهديدات الخارجية وتبدو سياساتها الخارجية أقرب للتكامل وما إن يستقر العامل الخارجي وتهدأ الأوضاع الإقليمية نسبياً حتى تتباعد السياسات وتبدو توجهات الدول الخارجية خاضعة لقرارات ذاتية قد تتعارض أحياناً. وعلى رغم ذلك فقد استمرت دول مجلس التعاون في تطوير آليات التعاون كمشروع العملة الخليجية الموحدة، وعلى مستوى شعوب الخليج كلنا يعرف أن ما يوحد الشعوب الخليجية أكثر مما يفرقها. وتؤثر البيئة الخارجية على بنية مجلس التعاون وقد تساهم هذه البيئة في الفترة الراهنة في المزيد من التقارب بين دول مجلس التعاون من خلال توحيد السياسات الخارجية وتعزيز الاتفاقيات الأمنية بين دوله الأعضاء، فالخطر الخارجي المهدد لاستقرار بعض دول التعاون من شأنه أن يدفع لتعزيز فكرة الاتحاد الخليجي، ولكن لا تكفي عوامل البيئة الخارجية لإنشاء اتحاد وتضمن استمراريته طالما ارتبط الاتحاد بعوامل خارجية ظرفية، فالبيئة الداخلية وعوامل التقارب السياسي والاجتماعي والاقتصادي بين دول مجلس التعاون هي المحفز الرئيسي لاستمرار الاتحاد فكرة وتطبيقاً أياً كانت صيغة الاتحاد المطروحة حالياً، أكان اتحاداً كونفدرالياً أم اتحاداً فيدرالياً، أم صيغة وحدوية تبقي على الكيانات السياسية وتنشئ هيئات مشتركة في أمور الخارجية والأمن والاقتصاد كصيغ لتوحيد السياسات وصولاً للاتحاد. قد تبدو فكرة الاتحاد الخليجي جذابة للبعض، وقد يبدو الإبقاء على الأمر الواقع بصيغته الحالية خياراً مقبولا لدى البعض الآخر، ولكن الأهم أن تكون فكرة الاتحاد الخليجي فكرة استراتيجية لا رد فعل على ظروف أو تهديدات ظرفية. إن عصر التكتلات الإقليمية السياسية والاقتصادية يفرض على دول مجلس التعاون التعجيل في قرار توحيد البنى الاقتصادية والعسكرية والأمنية، وقبل كل ذلك إحياء الزخم الشعبي لفكرة الاتحاد. لقد أعاد طرح فكرة الاتحاد الخليجي الروح للفكرة الوحدوية. ?في النشأة الأولى كانت أغنية «مصيرنا واحد وشعبنا واحد»، كان الزخم الإعلامي المرافق لانعقاد قمة التعاون بحجم آمال شعوب دوله، فكانت الشعوب الخليجية تنتظر بشغف قرارات القمم الخليجية وتنتظر الترجمة السياسية لأحلام جيل نشأ في انتظار الاتحاد الخليجي، واليوم نشأ جيل آخر في الخليج يحيد العواطف والأحلام وينظر للقيمة المضافة للوحدة الخليجية. قد تواجه الفكرة مشكلات سياسية بين الدول الأعضاء كمشكلة التوازن أو التباين، لكن يبقى بعث الفكرة الوحدوية اليوم إعلامياً بداية طريق «خليجنا واحد».