إنه لأمر مستغرب ومستهجن أن تظهر المظاهرات الشعبية بمئات الآلاف في الوطن العربي أو الإسلامي احتجاجاً على صدور مقال أو كرتون أو كتاب أو فيلم لبعض المغمورين الذين لا أحد يعرفهم الذين يتعمدون الإساءة للإسلام أو للرسول محمد وصحابته. لكن لا أحد يهتم أو يتظاهر أو يحتج أو يغضب عندما تتعمد جماعات إرهابية جاهلة مثل حركة «طالبان» في محاولة اغتيال طفلة باكستانية لا يتعدى عمرها 14 عاماً فقط لأنها كتبت تدافع عن حق المرأة المسلمة في التعليم داخل بلدها. الأمم المتحدة علَّقت يوم الثلاثاء الماضي 18 ديسمبر 2012 برنامجها لمكافحة شلل الأطفال في باكستان بعد مقتل 9 أشخاص كانوا يعملون في حملة مكافحة مرض شلل الأطفال في هذا البلد المنكوب، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث. ولكن حركة «طالبان» باكستان أصدرت تهديدات ضد المشاركين في برنامج مكافحة شلل الأطفال معتبرة بأن هذا العمل مؤامرة غربية. السؤال لماذا لا يتحرك العالم الإسلامي ضد العمليات الإرهابية التي تقتل الأبرياء من الناس الذين يؤدون واجبهم الوطني والإنساني بمساعدة الأطفال، وتطعيمهم بالأدوية والعقاقير والمضادات الضرورية لمحاربة مرض شلل الأطفال؟ إن مظاهر العنف والقتل والإرهاب التي تتعرض لها بعض الدول العربية والإسلامية لا يمكن تفسيرها بأنها دفاع عن الإسلام أو الدفاع عن مبادئه، فالإسلام بريء من كل هذه التصرفات الوحشية وغير الإنسانية، فالإسلام دين محبة وتسامح وسلام، إذن ما الذي حدث في ديار المسلمين؟ ولماذا يلجأ الشباب المسلم إلى العنف والإرهاب بدلاً من الحوار؟ من الذي غسل أدمغة شبابنا وشجعهم على القتل والعنف؟ وأوحى لهم بأن هذا هو الطريق السليم للتغير والإصلاح... لماذا يتعصب شبابنا ولماذا لا يتعظون ويلتزمون بمفاهيم الدين الحقيقية التي تدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة؟ ما هي الأسباب والدوافع التي جعلت الشباب العربي والإسلامي يلجأون للعنف والقتل؟ هناك أسباب كثيرة لكن من الأسباب الرئيسية هو بروز حركات الإسلام السياسي المتطرفة ولجؤوها للعنف بعد أن برزت في مصر في الخمسينيات... حيث شجعت أفكار سيد قطب الداعية إلى محاربة كل الأفكار الغربية لإقامة الدولة الإسلامية واعتبرت الحركات الإسلامية الجهادية الحكم القائم في جميع البلاد الإسلامية بأنها «دول كافرة» وكل المجتمعات فيها جاهلية واعتبروا كل القوانين والأفراد والجماعات الذين لا يلتزمون بالإسلام كفرة ويجوز قتلهم. البعض يرى بأن البطالة والمعاناة اللتين يواجههما الشباب العربي والمسلم وانغلاق أبواب العمل والرزق أمام الشباب... هي إحدى العوامل التي دفعت بالشباب للانخراط في العمل الجهادي. انغلاق الشباب ورفضهم للحوار العقلاني لأنهم يتصورون بأن أفكارهم المغلقة هي جوهر الدين وأساسه. وأخيراً كيف يمكن توعية الشباب في المنظمات الجهادية بأن أعمالهم لا تمت للدين بصلة... وهذا يتطلب إعادة النظر في مناهج الدين في بلداننا لأن رجال الدين المسيَّسين هم الذين غسلوا عقول الشباب. محاربة التطرف والإرهاب تتطلب معرفة من يمول هذه الحركات الإسلامية المتطرفة، ومن الذي يدربهم ويرسلهم للجهاد، علينا تجفيف منابع الفكر الجهادي في بلادنا.