هل تتذكرون ذلك التمرين الذهني الذي كنا نمارسه في المدارس الابتدائية، عندما كان يعرض علينا مقولة معينة ويطلب منا بيان ما إذا كانت تلك المقولة صحيحة أم زائفة. كان الهدف من ذلك التمرين تعليم التلاميذ التفريق بين الادعاءات القابلة للجدل، وتلك غير القابلة له من الأساس. لو كنتم ما زلتم تتذكرون ذلك، فدعونا نقوم في أعقاب مذبحة مدرسة ساندي هوك الابتدائية الدامية في مدينة " ني تاون" بولاية كونيكتيكيت بتجربة بسيطة وهي: كيف يمكننا تصنيف المقولتين التاليتين؟ 1- يجب أن يتمتع الأميركيون بحرية مطلقة في شراء وامتلاك الأسلحة النارية. 2- في معظم فترات تاريخنا كان لدى الأميركيين حرية غير محدودة في شراء وامتلاك الأسلحة النارية. المقولة الأولى ليست سوى رأي يختلف الأميركيون بشأنه اختلافاً كبيراً. فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد جالوب عام 2004 أن 44 في المئة من الأميركيين، يعتقدون أن مسؤولي تنفيذ القانون هم فقط الذين يجب أن يتمتعوا بحق امتلاك الأسلحة وحملها في كل مكان؛ وأن 26 في المئة منهم يعتقدون أن هؤلاء الذين توجد لديهم حاجة ماسة للسلاح هم فقط من يجب أن يمنح لهم هذا الحق، في حين رأى 27 في المئة أن أي مواطن عادي يجب أن يتمتع بالحق في اقتناء الأسلحة. ولكن المقولة الثانية لا تمثل رأياً، وإنما هي عبارة عن سؤال عن "أمر واقعي" هو: هل كان الأميركيون يمتلكون حق شراء وامتلاك الأسلحة طوال تاريخهم، أم أنهم لم يكونوا يمتلكون هذا الحق؟ هل هذه المقولة صواب أم خطأ؟ خطأ بالطبع. فالحقيقة هي العكس من ذلك تماماً. فحتى تاريخ قريب للغاية كان هناك تدقيق شديد في منح حق حمل سلاح للأفراد. وهل تصدقون أن حق حمل السلاح للمواطنين -بمعنى الحرية غير المقيدة في شراء واقتناء الأسلحة- هو إلى حد كبير من اختراع زماننا الحالي. صحيح أن التعديل الثاني للدستور يضمن "حق حمل السلاح"، إلا أن ذلك لم يكن للمواطن العادي وإنما للأفراد المنوط بهم حفظ وتنفيذ القانون، وكما تبين لأستاذ القانون "آدم وينكلر" فإن عشر ولايات قد مررت قوانين في القرن التاسع عشر تحظر امتلاك الأسلحة الممنوع حملها. وقد استمر الأمر كذلك حتى عقد السبعينيات، عندما بدأت الجمعية الوطنية للبنادق، وكذلك المحافظون في المحاججة بأن التعديل الثاني للدستور كان يضمن للأفراد حق امتلاك الأسلحة. وليس هذا فحسب بل لقد استغل ذلك الاتحاد بمهارة احتجاجات الأقليات وكذلك أيضاً الاحتجاجات التي نظمتها النساء من أجل نيل حقوقهم في ادعاء أن مالكي الأسلحة من حقهم هم كذلك الاستفادة من الحقوق المحمية في الدستور الأميركي. وقد خلق الاتحاد جماعات ضغط ضخمة، وجهاز دعاية لنشر هذا الرأي والعقيدة الجديدة. وعند فحصه لأساليب وحيل الجمعية الوطنية للبنادق قال كبير القضاة "وارن بيرجر" إن "التعديل الثاني للدستور كان محلاً لأكبر عمليات الاستغلال والنصب والتدليس. وأكرر العبارة مرة ثانية «عمليات النصب» على الجمهور الأميركي من قبل جماعات مصالح خاصة وعلى نحو لم أره في حياتي كلها". وقد تقاعد "بيرجر" بعد أن أدلى بذلك التصريح بزمن قصير في الوقت الذي ظل فيه نفوذ الجمعية الوطنية للبنادق يزداد نفوذاً على الدوام. فمنذ ذلك الحين أصبح الملايين من الأميركيين يعتقدون أن الدستور يحمي حقوقهم في حمل السلاح وحيازته. ولم يقتصر الأمر على المواطنين العاديين وإنما امتد كذلك إلى القضاء وقضاة المحاكم الذين وجد راحة في تفسير التعديل الثاني للدستور بطريقة تختلف عن الطريقة التي فسرته بها الأجيال السابقة. ولا يعني ذلك أنهم كانوا على خطأ بالضرورة، أو أن التفسيرات السابقة للمادة الخاصة بالسلاح كانت صائبة. فتاريخنا الأميركي حافل بالعقائد القانونية التي تغير معناها بتغير الأزمان، وبطرق بتنا نحتفي بها الآن. فلمدة قرنين من الزمن على سبيل المثال، ظلت المحاكم تؤيد الرق، وتؤيد الفصل العنصري، وحرمان الأميركيين من أصل أفريقي من كافة الامتيازات. ومن هنا يمكننا القول إنه ليس بمقدور أي شخص نزيه أن يدعي أن السود الذين أصبحوا اليوم يتمتعون بكافة الحقوق أمام المحاكم وفي الحياة العامة، كانوا يتمتعون بهذه الحقوق طيلة فترات التاريخ الأميركي. وهذه تحديداً هي حال التصريحات والبيانات التي نسمعها بشكل روتيني من قبل مسؤولي الجمعية الوطنية للبنادق، وغيرهم ممن يريدون لنا أن نصدق أن تلك "الحريات" كانت مترسخة في حياة الأميركيين قبل أن تقوم الدولة الليبرالية كبيرة الحجم، والسيئة، بانتزاعها منهم! يستطيع الأميركيون أن يجادلوا بشأن ما إذا كان من حقهم أن يمتلكوا أسلحتهم الشخصية أم لا، وتحت أية شروط؛ بل ومن حقهم أيضاً الادعاء أن البلاد ستصبح أفضل حالًا إذا ما زادت أعداد الأسلحة المملوكة من قبل المواطنين، بدلًا من أن تنقص. ولكن ليس بمقدور أحد الادعاء أنه كان في نية أسلافنا، بموجب الدستور، منح أي أحد الحق في امتلاك سلاحه وحمله أينما يرغب. فالقول بذلك هو غش صريح على حد تعبير القاضي الشهير "بيرجر". وأنا هنا أكرر الكلمة مرة ثانية "غش" وأعتقد أنها الكلمة المناسبة لوصف ادعاءات الجمعية الوطنية للبنادق، وغيره بشأن حق اقتناء وحمل السلاح الشخصي. -------- جوناثان زيمرمان أستاذ التاريخ والتعليم في جامعة نيويورك -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"