هناك لغز سهل الحل طرحته صحيفة «يديعوت أحرونوت» في بابها المخصص لانتخابات 22 يناير 2013، فقد عرضت جهود أحد الطلاب اليهود المقيمين في القدس للوصول إلى البرنامج الانتخابي لحزب ليكود قبل أقل من أربعين يوماً من عملية الانتخاب على موقع الحزب. لم يكن البرنامج منشوراً على الموقع، ولكنه أحال الطالب إلى موقع آخر هو موقع معهد جابوتنسكي، وهو اسم مؤسس الصهيونية التنقيحية التي يمثلها الحزب. غير أن الطالب أحيل مرة أخرى إلى موقع ليكود، وبعد أن قام باتصالات بالقائمين على البرنامج تبين له أنه لا يوجد برنامج انتخابي يشرح مواقف ليكود السياسية حتى الآن، على رغم انتخاب قائمة المرشحين النهائية، وبدء الحملات الدعائية. كيف يمكن إذن حل هذا اللغز الذي يمثل انتهاكاً واضحاً لقواعد العلاقة بين الأحزاب التي تخوض الانتخابات وبين الجماهير الناخبة التي تمتلك الحق في المعرفة الكاملة عن الأفكار السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأحزاب المتنافسة؟ ذلك أنه من دون هذه المعرفة و من دون الوضوح، فإن الانتخاب يصبح عملية انقياد عمياء لأحزاب غير معلنة سياساتها الجديدة. إن حل هذا اللغز أمر سهل للغاية، ذلك أن هناك تناقضاً فادحاً بين موقف ليكود الرسمي المعلن في برنامجه الانتخابي للانتخابات السابقة التي أتت بنتنياهو للحكم، وبين ما أعلنه بعد انتخابه من مواقف حول القضية الفلسطينية. لقد رفض البرنامج الانتخابي إقامة دولة للفلسطينيين بشكل صريح، وهو موقف يتماشى مع أيديولوجيات ليكود القائمة على اعتبار الضفة جزءاً لا يتجزأ من أرض إسرائيل، وبالتالي تطرح هذه الأيديولوجية شعارها في الكلمات التالية: "بين النهر والبحر لا مكان إلا لدولة واحدة هي دولة إسرائيل". إن هذا الشعار قديم في برنامج ليكود منذ وقوع الضفة تحت الاحتلال عام 1967، حيث رفع مناحيم بيجين الزعيم المؤسس للحزب شعارات التمسك بأرض إسرائيل الكاملة وعدم الاستعداد للانسحاب من شبر واحد من الأراضي التي يصفها بـ"المحررة من الغزاة العرب". إن هذا الموقف الأيديولوجي ينتج برنامجاً سياسياً طبقه بيجين بالموافقة على إقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة في اتفاقيات كامب ديفيد مع السادات عام 1978 تحت إشراف كارتر. كانت العقيدة الراسخة سياسياً وأيديولوجياً في ليكود هي قبول إعطاء حكم ذاتي إداري لـ"السكان الفلسطينيين" وليس للأرض في الضفة. عندما جاء نتنياهو للحكم عام 2009 ووجه أوباما ضغوطاً شديدة إلى حكومة إسرائيل مطالباً بضرورة الموافقة على حل الدولتين، واستئناف المفاوضات لإنجاز هذا الحل مع وقف الاستيطان، أدرك نتنياهو أنه لن يستطيع المواجهة مع أوباما، وأن عليه أن يلجأ للمناورة السياسية للتخلص من هذا الضغط الأميركي من ناحية والاحتفاظ بمواقف ليكود الجوهرية من ناحية ثانية، ولهذا أعلن شفوياً قبوله التفاوض على أساس حل الدولتين، وأبدى موافقة نظرية على قبول دولة فلسطينية وفي نفس الوقت واصل الاستيطان وعمل على نسف المفاوضات حتى تخلص فعلياً من ضغوط أوباما. واليوم مع الانتخابات الجديدة يجد نتنياهو نفسه في مأزق، فهل يكتب في البرنامج الانتخابي الجديد أنه يوافق على حل الدولتين فيخسر أنصاره في ليكود، أم يكتب أنه لا يؤمن بدولة فلسطينية فيجلب غضب العالم عليه؟ لهذا لم يظهر برنامج ليكود تجنباً للمأزق، وهنا يكمن حل اللغز.