في عددها 166 نشرت مجلة «الثقافة العالمية» التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، ملفاً خاصاً عن الرأسمالية، لمجموعة من الباحثين الأميركيين، ويميز هذا الملف أنه اشتمل على العديد من الموضوعات التي تشرح وتوضح جوهر الإشكالية في هذا النظام الذي أصبح يقود الحضارة الغربية وما يرتبط بالرأسمالية كنظام اقتصادي ذي فلسفة اجتماعية وسياسية يقوم على أساس تنمية الملكية الفردية والمحافظة عليها متوسعاً في مفهوم الحرية من آثار خطيرة تهدد ليس فقط المجتمع الغربي، بل النظام المالي العالمي والبيئة الكونية، والذي أصبح تحت مجهر البحث والدراسة والتشخيص منذ أن بدأت الأزمة المالية العالمية في عام 2008، حيث اعتبر البعض أنه منذ أن أخذ الغرب النظام الرأسمالي كمحرك اقتصادي وسياسي للحضارة الغربية، فإن الاضطراب والأزمات لازمت هذه المجتمعات باستمرار إلى درجة سمى بعضهم معها هذا النظام "نظام الأزمة"، وطالب بتغيير شامل للنظام نفسه وإعادة اختراع نظام بديل. صحيح أن الرأسمالية لعبت دوراً مؤثراً في خلق كمية هائلة من الثروة للغرب، إلا أن هذه الثروة الكبيرة حملت في داخلها الكثير من الأزمات والاضطرابات والتهديدات المخيفة لهذه المجتمعات، وأوجدت حالة من الفجوة العميقة بين أغنياء وفقراء هذه المجتمعات، حيث يفسر جيمس غوستاف سيبت في مقالة: "أميركا: حدود الممكن من الانحدار إلى الانبعاث"، السبب في ذلك بأن هذا النظام سمح للأغنياء بأن يحصلوا على نصيب الأسد من الثروة، حيث حصل 1 في المئة من أغنياء أميركا في عام 1928، العام الذي سبق الكساد الكبير، على 24 في المئة من الدخل الإجمالي للبلاد، فأصيب المجتمع والدولة بأكملها بحالة من الكساد الذي أصابت آثاره المدمرة العالم بأكمله. وعندما حاول علماء الاقتصاد إيجاد حلول لهذه المشكلة، وذلك باعتماد مجموعة من البرامج العلاجية، وتدعيم ذلك بتعزيز المساواة وتقوية الطبقة الوسطى، كانت النتيجة أن تراجع نصيب أغنى 1 في المئة من العائلات الأميركية بحلول عام 1976 من 24 في المئة من دخل البلاد إلى 9 في المئة، ولكن لأن الحلول كانت عبارة عن حقن مسكنة للألم الاقتصادي دون أن يتم التطرق لأساس المشكلة التي تكمن في جوهر النظام نفسه، فإن الآثار السلبية عادت من جديد تنخر في الجسد الاقتصادي، خاصة بعد أن شرع في تطبيق إعادة توزيع الدخل بصورة شاملة في ثمانينيات القرن العشرين، إلى درجة أنه مع حلول عام 2007 الذي سبق الركود الكبير والأزمة المالية الخطيرة التي حدثت في 2008 استعادت أغنى 1 في المئة من العائلات الأميركية مركزها الذي كانت عليه في عام 1928، وأصبحت تحصل على 24 في المئة من دخل البلاد، وهذا ما فجر الأزمة من جديد. ويعزز جيمس غوستاف تفسيره لهذه الحالة بما أصاب المجتمع الأميركي من آثار داخلية اقتصادية واجتماعية وسياسية مدمرة، فعلى رغم أن صورة الولايات المتحدة في الخارج هي أنها امبراطورية تمتلك كل أدوات القوة والثروة والتفوق وأنها الأولى في كل شيء والنموذج الذي ينظر إليه الآخرون، إلا أنها في الداخل أحدث فيها هذا النظام نوعاً من الخلل والآثار المدمرة وعمل على توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء من سكانها، حيث يقول: من الصعب جداً بالنسبة لنا كأميركيين أن يكون لبلدنا أعلى معدلات الفقر سواء على مستوى عدد السكان الإجمالي، أم عدد الأطفال وأعظم درجات التباين في الدخول وأدنى مستويات الحراك الاجتماعي وأدني حصيلة في مؤشرات الأمم المتحدة للرفاهية المادية للأطفال وأدنى حصيلة في مؤشر اللامساواة بين الجنسين. وعلى رغم إنفاق الولايات المتحدة الكبير على الرعاية الصحية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، فإن كل تلك الأموال المنفقة تترافق مع أعلى معدلات وفيات الرضع، وأعلى نسب انتشار المشكلات الصحية العقلية، وأعلى معدلات البدانة وأعلى معدلات نسب السكان غير المستفيدين من الرعاية الصحية، وأكبر معدلات استهلاك مضاد الاكتئاب للفرد الواحد، وأقصر توقعات الحياة عند الولادة، وثاني أدنى حصيلة لأداء الطلاب في الرياضيات وأداء متوسط في العلوم والقراءة، وأعلى معدلات القتل العمد وأكبر أعداد السجناء بالأرقام المطلقة، نسبة إلى عدد السكان، وأعلى معدلات انبعاث الكربون وأكثر استهلاك للمياه للفرد الواحد وأدنى حصيلة في مؤشر الأداء البيئي، وأعلى الآثار السلبية على البيئة للفرد الواحد وأدنى مستويات الإنفاق على التنمية الدولية والمساعدات.