التحدث عن خليج واحد ممكن على أرض الواقع أم فيه مبالغة في جرعة التفاؤل؟ فالموضوع حتى الآن يدور حول الإطار أو الكيفية التي يمكن من خلالها الانتقال من الصيغة الحالية لمجلس التعاون الخليجي إلى نمط الاتحاد الكونفيدرالي. إذا أردنا الرجوع والتمسك بتلابيب التاريخ الماضي عندما كانت منطقة الخليج، هي في جغرافية شبه الجزيرة العربية أكان واحداً أم متحداً من مجموعة دول؟ ترى ما الذي جعل هذه المنطقة وحدة واحدة متكاملة من دون أن يطلق عليها طوال القرون الماضية مسمى "الاتحاد" سياسياً وإنْ كان ذلك واقعاً ملموساً في حراك هذه المنطقة تجاه الآخرين على مدار التاريخ العتيد. إذا تجنبنا الدخول إلى مناقشة الخلافات الجزئية أو التفصيلية بين دول مجلس التعاون، والتي تحول إلى الآن من دون الوصول إلى هذا الهدف المرغوب بشكل عام لدى القادة أولاً، ومن ثم لدى الشعوب تباعاً. إذا أرادت شعوب الخليج بالاتفاق مع حكامها التعامل على أساس أن الوحدة الفعلية قائمة مع ترك الشكل المناسب لمرحلة أخرى، فما هي متطلبات هذا العيش وفق منظومة الاتحاد الخليجي قبل الإعلان الرسمي عن ولادته سواء تأخرت لأسباب موضوعية، أم تأجلت لدواع واقعية قد تخص كل دولة على حدة، فلا بأس من ذلك، ما دام الحراك على الأرض متجهاً نحو الاندماج والاتحاد في النهاية، وهو الهدف الأسمى من كل محاولات العقود الماضية من عمر "التعاون". لسنا هنا في مجال الجرد أو الكشف عن مواقع السلب والإيجاب في نتائج هذا العمل التعاوني المثمر بشكل عام، وإنْ كانت الطموحات والآمال أكبر من كل ما تم خلال الفترة الماضية. وحتى لا يكون مصير هذا الاتحاد، الذي يراد أن تعمق جذوره تدريجياً كمصير التجارب العربية السابقة - بعد إخراج تجربة الإمارات عن ذلك السياق، والتأكيد على فرادتها- فإن أي تأخير في إرساء دعائم هذا الطريق الوحدوي يؤدي إلى تقوية القناعات بين القيادات والشعوب أفضل بكثير من فرض الاتحاد بالأمر السيادي، وهذا فعلاً ما حصل في التجارب السابقة، والتي لم تعمر إلا قصيراً. فالأمر الأسلم اليوم، هو ضخ مزيد من فرص الاتحاد في عقول ودماء الشعوب الخليجية عبر مشاريع وحدوية سواء في العملة الموحدة أو الجواز الموحد، وكذلك ما يخص القوانين والتشريعات، التي تقرب الجميع من الوحدة أو الاتحاد السيادي لكل أعضاء مجلس التعاون الخليجي. ولا نريد أن نحمِّل البعد الخارجي للإسراع من الوحدة أكثر من حجمه أو القفز على الخطوات المهمة فقط، لأننا قد نقع ضحية لمطامع بعض القوى الإقليمية المتربصة. لأن الحصانة الحقيقية لهذا الاتحاد المنشود والمرتقب تأتي من قوة البعد الداخلي وضروراته الملحة، للتكتل حول أنفسنا للتخفيف من حمولة العامل الخارجي علينا، وهذا هو التحدي الأكبر للوصول بالاتحاد إلى أمن مرحلة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. فالزخم المطلوب في الجانب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في هذه المرحلة مهم للغاية، وهو العمود الفقري الرئيسي لدعم الجانب السياسي، الذي يمكن الصبر عليه حتى إذا ما تم الإعلان عن هذا الاتحاد في حينه، كانت البنية الوحدوية الأساسية لهذا قد اكتملت، وكانت قادرة على حمل البنيان الكلي للاتحاد الخليجي، وهي واثقة من أن خطوات النجاح مضمونة، ومن بعدها لا تختلف الشعوب حول أو على من يقود المسيرة الوحدوية، التي جاءت عبر عقود من العمل الجاد والمرئي أمام جميع الحاضنين لبذرة الاتحاد الخليجي، التي تزرع في أرض صالحة للنماء والمزيد من العطاء.